العدد 1586 /1-11-2023
استعاد اقتصاد الاحتلال عافيته بعد حروب سابقة مع
"حماس"، لكن هذه الجولة قد تستمر لفترة أطول، قدرها البعض بعدة أشهر،
لأن المهمة التي أعلنتها قيادة جيش الاحتلال العسكرية تتلخص في إنهاء حكم حماس
لقطاع غزة، وليس احتواء المقاومة فقط .
ويشكّل تصعيد الصراع تهديداً ملموساً، حيث تخوض
قوات الاحتلال بالفعل قتالاً على مستوى منخفض على ثلاث جبهات إضافية، هي لبنان
والضفة الغربية وسورية.
وحتى قبل هذه الحرب، كان الاقتصاد الإسرائيلي
يعاني من المشكلات على خلفية الصراع الدستوري بين نتنياهو والسلطة القضائية.
وعرضت وزارة المالية الإسرائيلية خطة مساعدات
اقتصادية تتضمن منحاً بقيمة مليار دولار للشركات المتضررة من الحرب.
وقال المنتقدون إنّ هذه الخطوة ليست كافية،
وطالبوا بإعادة توجيه بضعة مليارات من الدولارات المخصصة للمشاريع المفضلة للأحزاب
الحريدية والمؤيدة للاستيطان، بموجب اتفاقيات الائتلاف.
وهذا الأسبوع، دعت مجموعة مكونة من 300 خبير
اقتصادي بارز نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريش إلى "العودة إلى
رشدهما".
وقالوا في رسالة نقلتها "أسوشييتد برس"
إن "الضربة الخطيرة التي تلقتها إسرائيل تتطلب تغييراً جوهرياً في الأولويات
الوطنية، لإعادة توجيه الأموال بشكل كبير للتعامل مع أضرار الحرب ومساعدة الضحايا
وإعادة تأهيل الاقتصاد".
وتوقع الخبراء ارتفاع النفقات الإضافية المطلوبة
في زمن الحرب إلى مليارات الدولارات.
وحثّ الخبراء نتنياهو وسموتريتش على "التعليق
الفوري لتمويل أي أنشطة ليست حاسمة لجهود الحرب وإعادة تأهيل الاقتصاد، وأولاً
وقبل كلّ شيء، تعليق الأموال المخصصة في الميزانية لاتفاقيات الائتلاف".
وبحسب ما نقلته "أسوشييتد برس"، قال
سموتريش لراديو الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي إن "كل ما لا ينطوي على جهود
الحرب وقدرة الدولة على الصمود سيتوقف"، لكن الشكوك في تنفيذ ذلك لا تزال
قائمة.
وترسم المقاييس المالية صورة قاتمة، فقد وصلت العملة
المحلية، الشيكل، إلى أدنى مستوى لها منذ 14 عاماً، كما انخفض مؤشر الأسهم القياسي
بأكثر من 10% هذا العام، وبدأت صناعة التكنولوجيا، محرك النمو الاقتصادي في
إسرائيل، تنزف حتى قبل بدء الحرب.
وحذرت وكالات فيتش وموديز لخدمات المستثمرين
وستاندرد آند بورز في الأيام الأخيرة من أن تصعيد الصراع قد يؤدي إلى خفض تصنيف
الديون السيادية لإسرائيل.
وخفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته للنمو
الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3% من 3%، على افتراض احتواء القتال في جنوب البلاد.
وفي مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، أكد محافظ بنك
إسرائيل المركزي أمير يارون على مرونة الاقتصاد الذي وصفه بأنه "قوي
ومستقر"، وأعلن البنك عن تخصيص 30 مليار دولار لدعم الشيكل.
وقال يارون للوكالة ذاتها إنّ الاقتصاد الإسرائيلي
عرف كيف يتعافى من الفترات الصعبة في الماضي، ليعود سريعاً إلى الازدهار، مؤكداً
أنه ليس لديه شك في أنه سيفعل ذلك هذه المرة أيضاً.
ودخلت إسرائيل الحرب باحتياطيات من النقد الأجنبي
تبلغ نحو 200 مليار دولار، وبالإضافة إلى ذلك، تريد إدارة بايدن من الكونغرس
الموافقة على مساعدات طارئة بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، معظمها تمويل عسكري،
فضلاً عن 3.8 مليارات دولار تتلقاها سنوياً.
وفي بداية الحرب، أمرت إسرائيل شركة شيفرون بوقف
الإنتاج في حقل تمار للغاز الطبيعي لتقليل التعرض للصواريخ المحتملة، وقدر خبير
الطاقة أميت مور أنّ الإغلاق قد يكلف إسرائيل 200 مليون دولار شهرياً من الإيرادات
المفقودة.
وقال مور إنه "إذا انضم حزب الله المتحالف مع
حماس في لبنان إلى الحرب بكامل قوته، فقد يؤثر ذلك على الإنتاج في حقلين آخرين،
بما في ذلك أكبر حقل في إسرائيل" لكنّه لا يعتقد أنّ الحرب سيكون لها تأثير
سلبي على المزيد من استكشاف الطاقة.
وحتى قبل اندلاع الحرب، كانت إسرائيل، وهي قوة فاعلة
في سوق ريادة الأعمال، ولديها اقتصاد ينافس دول أوروبا الغربية، تعاني، إذ تأثرت
خزانتها، التي كانت منتفخة ذات يوم بسبب الاستثمارات الأجنبية في قطاع
التكنولوجيا، بما أسماه نتنياهو بالإصلاح القضائي، الذي يسعى إلى غلّ يد المحاكم
في البلاد.
وتزعم حكومة الاحتلال أنّ السلطة القضائية غير
المنتخبة تتمتع بسلطات أكبر من اللازم، فيما يرى المعارضون أنّ خطوة نتنياهو تحدّ
من قدرة القضاء على محاسبة السياسيين.
وأثرت المخاوف بشأن النزاع الحكومي في إسرائيل،
وارتفاع التضخم، والتباطؤ العالمي، في الاستثمارات التكنولوجية العام الماضي على
الاقتصاد.
ونتيجة لكل تلك الأحداث، فقد انخفضت الاستثمارات
في الشركات الناشئة في الأراضي المحتلة، والتي اجتذبت رقماً قياسياً قدره 27 مليار
دولار في العام 2021، بمقدار النصف تقريباً عن العام الماضي.
ومع فزع المستثمرين من المقترح القضائي والاحتجاجات
الجماهيرية التي أثارها، انخفضت الاستثمارات بنسبة 68% إضافية في النصف الأول من
هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لمعهد ستارت أب نيشن
للسياسات الإسرائيلية.
وقامت هيئة الابتكار الإسرائيلية التابعة للحكومة
بفحص نبض الشركات الناشئة خلال الحرب، ووجدت أن التباطؤ في جمع رأس المال، إلى
جانب استدعاء الموظفين للخدمة الاحتياطية، يشكل تحدياً لعدد كبير من شركات
التكنولوجيا المتقدمة، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي درور بن، الذي أردف أنّ
"هناك شركات معرضة لخطر الإغلاق خلال الأشهر القليلة المقبلة".
وقال البروفيسور ميشيل سترافزينسكي، الخبير
الاقتصادي في الجامعة العبرية في القدس والمدير السابق لقسم الأبحاث في البنك
المركزي، إن بنك إسرائيل قدر أن حرب 2014 في غزة كلفت الاقتصاد 0.4% من الناتج
المحلي الإجمالي، وحرب 2006 في لبنان قلصته بنسبة 0.5%.
ومنذ شهر واحد فقط، كان بنيامين نتنياهو يمني نفسه
بحقبة جديدة من السلام والازدهار مع "أبناء العم" على أساس القبول
المتزايد لدولته المزعومة داخل المنطقة.
واليوم، وقد دخلت الحرب بين المقاومة الفلسطينية
وقوات الاحتلال أسبوعها الرابع، أصبح هذا التصور في حكم الحلم، وفقاً لتحليل
"أسوشييتد برس".
وبعدما
أدت تعبئة 360 ألف جندي احتياطي وإجلاء 250 ألف إسرائيلي من منازلهم، وفقاً
للأرقام التي قدمها جيش الاحتلال، إلى قلب العديد من الشركات رأساً على عقب،
أُفرغت المطاعم والمتاجر، وألغت شركات الطيران معظم رحلاتها إلى الأراضي المحتلة،
وألغى السياح رحلاتهم، وأُغلق حقل رئيسي للغاز الطبيعي، ودُمرت المزارع بسبب نقص
العمال، ومنحت الشركات إجازة لعشرات الآلاف من العمال.