العدد 1537 /16-11-2022
كشفت الانتخابات التي شهدتها
إسرائيل أخيراً، بما لا يدع أي مجال للشك، عن الوجه الحقيقي لإسرائيل باعتبارها دولة
نظام فصل عنصري، أغلبية شعبها من اليمين المتطرف ومن المتدينين اليهود المتعصبين. فقد
جاءت الانتخابات، التي سجلت مشاركة كبيرة، بخليط من الأحزاب الدينية المتطرفة واليمينية
العنصرية، وهو ما يعكس توجّه المجتمع اليهودي الذي تسيطر عليه قوى متطرّفة وعنصرية
تروج الكراهية والعنف. لقد أعادت نتائج هذه الانتخابات إسرائيل إلى حقيقتها الأولى،
كيان احتلال عنصري فاشي تقوده مجموعة من المتطرّفين، وسقطت عنها كل أقنعة الديمقراطية
والليبرالية التي كانت تدّعي احتكار تمثيلها في منطقة الشرق الأوسط.
إسرائيل اليوم في طريقها إلى
تأسيس ثيوقراطية جديدة لا تختلف في أي شيء عن الثيوقراطيات في الشرق الأوسط، سوى أنها
"منتخبة". وفي هذه الحالة، هي تشبه ثيوقراطية إيران، وهو ما سيضع الغرب في
حرج، ويكشف مرة أخرى ازدواجية معاييره عندما يدعم إسرائيل باعتبارها "جنّة الديمقراطية
في الشرق الأوسط"، وعلى رأس حكومتها سياسيون فاسدون وعنصريون ومتطرّفون يدعون
إلى احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، وطرد من تبقوا من العرب الفلسطينيين من
أرض أجدادهم. وفي المقابل، ينتقد حكومة الملالي في إيران بدعوى عدم احترامها حقوق شعبها
وحرياته.
طلبت صحيفة لوموند الفرنسية،
في افتتاحية لها، من حلفاء إسرائيل الغربيين، مراجعة علاقاتهم مع إسرائيل، وكتبت أن
"نتائج الانتخابات حملت أخبارا سيئة للديمقراطية الإسرائيلية، وللفلسطينيين، ولكن
أيضا لعديدين من حلفاء إسرائيل، دعموا منذ فترة طويلة العلاقات الوثيقة والتعاطفية
مع مجتمع القيم". ويمكن توجيه الخطاب نفسه إلى أنظمة التطبيع العربي، وإلى كل
المطبّعين في المنطقة العربية، ليتأملوا جيدا نتائج هذه الانتخابات، وقراءة انعكاساتها
على سياسات حليفتهم إسرائيل، عندما سيعود إلى رئاسة حكومتها بنيامين نتنياهو، المتابَع
منذ سنتين في قضايا فساد واحتيال وخيانة الأمانة وإساءة استخدام السلطة، وإلى جانبه
في الحكومة نفسها أحد أبرز منظّري التطرف والإرهاب الإسرائيليين، إيتمار بن غفير، وهو
مستوطن يعيش في مستوطنة، ويدعو إلى ضم الضفة الغربية ورمي الفلسطينيين خارج أرضهم.
برّرت حكومات التطبيع قراراتها
بأن علاقتها مع إسرائيل كانت ضرورية لوقف خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وبعد مرور
أكثر من سنتين على تلك الاتفاقات المشؤومة ساد صمت مخجل في كل عواصم التطبيع العربي
على جرائم إسرائيل التي لم تتوقف يوما، واستمر الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية،
وازداد تجاهل إسرائيل الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وتسريع دفن حلّ الدولتين، وكانت
النتيجة تعزيز المواقف الإسرائيلية الأكثر تطرّفاً، وصعود فاشيين وفاسدين لقيادة الحكومة
العبرية.
سياسياً وأخلاقياً، كل التبريرات
التي قدّمها المطبّعون لتبرير اعترافهم بدولة إسرائيل، لم تكن مقنعة، والآن سقطت، وسيجدون
أنفسهم غداً في موقع حرج عندما يدركون أنهم أصبحوا رهينة لأسوأ تحالف شيطاني، يرأسه
رجل فاسد، حلفاؤه من المتدينين الفاشيين الذين يمجّدون قتل الفلسطينيين وطردهم من أرضهم،
فإلى متى ستستمر أنظمة التطبيع العربية في تبرير جرائم الاحتلال وتوفير الغطاء الشرعي
لساستها المتطرّفين للاستمرار في ارتكاب جرائمهم بعيدا عن كل محاسبة أو مساءلة في ظل
نظام دولي ما زال يضمن إفلات إسرائيل من كل عقاب؟ وبأي قانون أخلاقي سيقمعون مناهضي
التطبيع في بلدانهم في الوقت الذي يتحالفون مع ساسة فاسدين عنصريين وقتلة؟!
ستتحدّى التركيبة الفاشية
للحكومة الإسرائيلية المقبلة كل الأنظمة المطبّعة، بل وكل الأنظمة في العالم التي توفر
الغطاء لجرائم إسرائيل بدعوى أنها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط،
عندما تجد نفسها مضطرّة للتعامل اليومي، في إطار علاقاتها مع الكيان الصهيوني، مع شخصية
عنصرية مقيتة، مثل الفاشي إيتمار بن غفير، المسكون بكراهية العرب، والمحرّض على القتل،
والمشيد بالإرهاب الإسرائيلي، والمؤمن بتفوق العنصر اليهودي؟! وصول هذا العنصري إلى
الحكومة الإسرائيلية، وعودة نتنياهو إلى السلطة، وهو المسكون برغبة مقيتة في الانتقام
لنفسه وتنقية سيرته من التهم التي تلاحقه، كلها أخبار ليست سارّة للعالم كله، لأن هذا
التحالف الشيطاني سيكون مستعدّا للقيام بأي عمل جنوني لإشعال التوترات في المنطقة،
وإذكاء نار الحقد في عالم يشهد تصاعداً للحركات المتطرّفة والعنصرية في كل مكان.