العدد 1644 /25-12-2024

في العراق المُنقسم سياسياً على حدث إسقاط نظام بشار الأسد في سورية، بعدما شاركت أطراف عراقية فاعلة في دعم هذا النظام عسكرياً واقتصادياً طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية، يتصدر الحديث عن مستقبل العلاقات العراقية السورية بعدما أوصلت الإدارة الجديدة في سورية أخيراً أكثر من رسالة إيجابية تجاه العراق على لسان القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.

وتصدرت خلال الأيام التي سبقت إسقاط نظام الأسد، مواقف أقرب إلى أن تكون "حربية" لمسؤولين عراقيين في بغداد، حمل بعضها التهديد بالتدخّل العسكري "استباقياً" ضد من تم اعتبارهم "إرهابيين"، وهو الموقف الذي تبناه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالقول إنهم "لن يبقوا متفرجين"، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، إلى جانب رئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله، والمتحدث العسكري باسم الحكومة يحيى رسول، الذي قال إن أبو محمد الجولاني (الشرع) مطلوب للعراق، ولا يمكن التعامل مع إرهابي.

في موازاة ذلك، اعتبر قادة بارزون في تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق، عملية "ردع العدوان" لفصائل المعارضة السورية، في الساعات الأولى منها بأنها "مؤامرة صهيونية"، تتزامن مع الهدنة ووقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، ودعوا إلى الاستعداد للدفاع عن المراقد المقدسة في سورية، وعادة ما يُقصد بذلك مرقد السيدة زينب في ضواحي دمشق.

غير أن لغة التصعيد تبدلت تماماً مع سقوط نظام الأسد الذي سبقته عملية انسحاب سريعة من الجغرافيا السورية إلى داخل العراق، وكانت مُفاجئة حتى لأعضاء الفصائل المسلحة في العراق، الذي قال أحدهم إنهم ما زالوا يحاولون معرفة "من أعطى أوامر هذا الانسحاب". وبالتزامن مع اتصالات وزيارات مكوكية جرت في بغداد والنجف لمسؤولين غربيين وأمميين، في الأيام الأولى من الإعلان عن فرار الأسد وسيطرة المعارضة على دمشق، تبدلت بشكل تدريجي مواقف بغداد، التي سمحت برفع علم الثورة السورية على مبنى سفارة دمشق وسط بغداد يوم الخميس الماضي.

وفي بيانات رسمية أعقبت لقاءات واتصالات هاتفية متسلسلة جرت الأسبوع الماضي، مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، الذي زار أيضاً المرجع علي السيستاني في النجف، أكد العراق "وحدة الأراضي السورية"، و"مساعدة السوريين على تخطي المرحلة الحالية وبناء بلدهم"، و"عدم التدخل في شؤون سورية"، و"الحفاظ على حقوق الأقليات". وهي عبارات تكررت على لسان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الذي أجرى بدوره اتصالات هاتفية ولقاءات مع مسؤولين عرب وغربيين كان أبرزهم وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ.

مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، الذي كان الأكثر عدائية في التصريحات من التطورات السورية قبيل سقوط نظام الأسد، رافعاً شعارات دينية خلال تعليق له على منصة إكس، قال في بيان له يوم الأحد الماضي، إن "عودة الحياة الطبيعية وفتح المدارس أبوابها والدوائر الحكومية وارتفاع قيمة الليرة السورية، مؤشرات إيجابية نحو الاستقرار. نأمل للشعب السوري الشقيق الأمن والأمان والازدهار بسواعد أبنائه".

إقرار بالتغير في العلاقات العراقية السورية

عضو في "إدارة الدولة": الأحزاب الحاكمة في العراق تلقت ضمانات حيال عدم وجود أي ارتدادات على المشهد العراقي جراء أحداث سورية

عن تغير المواقف بشأن العلاقات العراقية السورية تحدث عضو بارز ضمن ائتلاف "إدارة الدولة"، الذي يضم القوى العربية الشيعية والسنّية والكردية المشاركة بالحكومة، عن أنه "إقرار بالأمر الواقع وضرورة التعايش معه"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرسائل الغربية في هذا السياق كانت واضحة ومباشرة للعراق، بشأن وقف أي تدخّل إيراني بالشأن السوري من خلال العراق، وعدم التعامل بسلبية مع التطورات السورية. وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق "تلقت ضمانات حيال عدم وجود أي ارتدادات أمنية أو سياسية على المشهد العراقي جراء ما حدث في سورية"، وكذلك أن عليها "المساهمة بشكل إيجابي في دعم سورية الجديدة".

خطة لسحب المليشيات العراقية من الحدود

في الصحراء غرب الأنبار التي توصف منذ سنوات بأنها أكبر تجمّع لعناوين فصائل مسلحة في الشرق الأوسط والمحصورة بين القائم ومكر الذيب العراقية غربي الأنبار وعلى امتداد يصل إلى 140 كيلومتراً، ما زالت الفصائل المنسحبة من سورية تنتشر هناك منذ أسبوع، على الرغم من وجود وحدات مدرعة وألوية مشاة من الجيش العراقي وقوات حرس الحدود لتأمين المنطقة الفاصلة بين البلدين.

خطة لسحب تدريجي للفصائل المسلحة من الشريط الحدودي مع سورية

وكشف قيادي في فصيل مسلح، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن وجود "خطة" لسحب تدريجي للفصائل المسلحة من الشريط الحدودي مع سورية، بناء على ضغوط تُمارس على الحكومة، وأن يكون الجيش العراقي وحده بالمنطقة. وتحدث عن 11 فصيلاً مسلحاً موجودة حالياً في المنطقة الحدودية كلهم عراقيون وأن ستة منها كانت داخل دير الزور والبوكمال والتنف وضواحي البصيرة والميادين وبادية حمص، وانسحبت إلى داخل الأراضي العراقية قبل ساعات من سقوط النظام في دمشق. وأضاف أنهم ما زالوا يحاولون معرفة "من أعطى أوامر هذا الانسحاب"، وأنهم يعتقدون أن الانسحاب جاء من "جهات عليا استشعرت فوات الأوان على دعم بشار الأسد، أو أنها بضغوط أميركية على العراق".

"كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"سيد الشهداء"، و"الأوفياء"، أبرز تلك الفصائل التي شاركت في دعم النظام السوري طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية، وتتواجد على الحدود العراقية السورية اليوم، هي من تواجه الحكومة في بغداد اليوم ضغوطاً من أجل إبعادها عن الأراضي الحدودية، في واحد من مقررات لدعم المرحلة الانتقالية الحالية في سورية وتصحيح العلاقات العراقية السورية وفقاً للمسؤول ذاته.

ومساء الأحد الماضي، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، إن بلاده "لم ينقطع تواصلها مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة في سورية"، كاشفاً عن رسائل تطمين أميركية جاءت خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، "أكدت أن أمن العراق مُحافظ عليه ولن يتم السماح بأي خرق لحدوده". وبشأن العلاقات العراقية السورية أكد العوادي أن "الحكومة العراقية لن تتدخّل في سورية. العراق أكد أنه لا يمتلك مشاريع منفردة بما يخص سورية أو دعم أي جماعة أو جهة سياسية".

ملفات متشابكة بين العراق وسورية

الخبير العراقي في العلاقات الدولية أحمد النعيمي، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إن بغداد لا تمتلك غير خيار التنسيق مع سورية الجديدة وفتح علاقات مع السلطة الجديدة في دمشق، معللاً ذلك بأسباب سياسية وأخرى اقتصادية وحيوية بالنسبة للعراق، من أبرزها "الضغوط الغربية التي تسعى لإبعاد إيران عن سورية الجديدة من خلال العراق الذي يمثّل البعد الجيوسياسي الأهم لطهران في الملف السوري". وأضاف أن "العراق لا يريد أن يظهر بموقف شاذ عن الإجماع العربي الحالي في دعم التحول الإيجابي في سورية، وتمكينه في النهاية من التعافي، وهو موقف غربي أيضاً، يتمثل بالتعاطي مع قوى المعارضة على أنها الفاعل الذي يتم التعامل معه سورياً".

وحول العلاقات العراقية السورية لفت النعيمي إلى ملفات أخرى أبرزها سد تشرين على نهر الفرات في منبج التي سيطرت عليها قوى المعارضة السورية أخيراً، والذي يمثل عقدة في كل التفاهمات بين دمشق وبغداد منذ سبعينيات القرن الماضي، إذ لم يثبَت نظام الأسد على أي اتفاق واضح مع العراقيين بشأن حصة العراق من تدفقات نهر الفرات، إذ يطالب العراق بتقاسم مياه الفرات بناء على مساحة العراق وعدد سكانه، وهو ما لم يطبقه نظام الأسد، حتى في ذروة دعم النظام السياسي العراقي له بعد الثورة السورية عام 2011.

وأشار النعيمي إلى أن مسألة المياه ستكون عامل إرغام للعراق على التعامل مع سورية الجديدة، خصوصاً أن شح المياه عراقياً وسعيه للحصول على حصة كافية سيكون عاملاً مُلحّاَ للعودة وفتح العلاقات مع سورية الجديدة. يضاف إلى ذلك، وفق النعيمي، "مسائل التنسيق الأمني على الحدود البالغة نحو 620 كيلومتراً، وكذلك ملفات اقتصادية أبرزها أن كل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع لبنان قائمة على مرورها من سورية براً إلى العراق، بما فيها اتفاقية النفط مقابل الخدمات التي يزود العراق بموجبها لبنان بالنفط لتشغيل محطات الكهرباء لديه، مقابل منتجات زراعية وصناعية وغذائية مختلفة". واعتبر النعيمي أن إيران قد تدفع العراق وتشجعه لأن يكون واجهة لأي تفاهمات تتعلق بالمراقد الدينية داخل سورية، إلى جانب ما ذكره رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حول "ضمان أمن الأقليات"، في إشارة إلى الطوائف من غير المسلمين السنّة.