العدد 1662 /7-5-2025
مصطفى عبد السلام
غداً قد يعرف العالم الحائر رأسه من قدميه، حيث تترقب
الأسواق الدولية اجتماع مهم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)
المقرّر أن يبدأ غدا الثلاثاء ولمدة يومين، مع دخول الرئيس دونالد ترامب في مواجهة
مباشرة مع جيروم باول داخل البنك الفيدرالي، ودخول العالم في صدام غير مسبوق مع
الإدارة الأميركية.
هناك أهمية قصوى لاجتماع الغد الذي تنتظره البنوك المركزية
والمستثمرون على حد سواء، وقد يحسم نقاطاً عالقة كثيرة تتعلق بمستقبل الدولار،
واتجاهات أسعار الفائدة في العالم، وتأثيرات الحرب التجارية، والصراع المحتدم بين
الرئيس دونالد ترامب ورئيس البنك المركزي جيروم باول، والتوترات السياسية
والاقتصادية والمالية المتزايدة داخل الولايات المتحدة.
أول تلك النقاط العالقة التي سيحسمها اجتماع الغد مدى خضوع مجلس
إدارة البنك الفيدرالي ورئيسه باول للضغوط الشديدة التي تمارس عليه من ترامب، الذي
يضغط بشدة لخفض سعر الفائدة على الدولار، ويسعى بكل الطرق وعلى نحوٍ مستفز إلى
التدخل في إدارة السياسة النقدية للبنك، في حين يتمسّك الفيدرالي في المقابل
باستقلالية قراره، وإخضاع اتجاهات أسعار الفائدة للمؤشرات الاقتصادية ومنها
معدّلات التضخم والبطالة والنمو، وليس إلى المعايير السياسية والحزبية الضيّقة.
وبالتالي؛ فإنّ تثبيت البنك سعر الفائدة في اجتماع الغد يعني أن باول يضرب عرض
الحائط بكل تهديدات ترامب ووزير خزانته وكبار مستشاريه.
ثاني النقاط العالقة تتعلق بالمستقبل الوظيفي لباول نفسه، في
ظل تذبذب موقف ترامب تجاهه، فقد هدّد الأخير مرات عدّة بإقالته من رئاسة البنك
الاحتياطي قبل انتهاء ولايته في مايو/ أيار 2026؛ بسبب عصيانه أوامره خاصّة
المتعلقة برفض خفض سعر الفائدة على القروض المصرفية، ووصفه أكثر من مرة بأنه
"متصلب تماماً، ولا يقوم بعمل جيّد فعلياً، وأنه يعرف عن أسعار الفائدة أكثر
بكثير منه".
لكن ترامب عَدَل عن كلّ تلك التهديدات في أحدث تصريح له،
فعندما سُئل أمس عمّا إذا كان سيُقيل باول قبل انتهاء فترته، نفى ذلك نفياً
قاطعاً، قائلاً "لا، لا، لا… لماذا أفعل ذلك؟ سيتسنّى لي استبداله بعد فترة
قصيرة"، وهذا التصريح طمأن الأسواق حول العالم التي عصفت بها تحركات ترامب
لإقالة الرجل، أهم مسؤول مالي واقتصادي حول العالم، وقلبت نظام التجارة العالمي
رأساً على عقب من خلال شنّ حرب تجارية شرسة وفرض موجة واسعة النطاق من الرسوم
الجمركية.
ثالث النقاط التي تنتظر الحسم في اجتماع الفيدرالي اليوم هي
التعرُّف على اتجاهات سعر الدولار والذهب، التي يعقبها إعادة تقييم تحركات العملات
الرئيسة من المستثمرين والمضاربين على حد سواء، فخفض سعر الفائدة على الدولار غدا،
وهو أمر مستبعَد، سيدفع المستثمرين نحو شراء مزيد من الذهب والمعادن النفيسة،
ومواصلة الابتعاد عن الأصول الأميركية بما فيها أدوات الدين مثل السندات وأذون
الخزانة، أما التثبيت، وهو احتمال قوي، فيقلّل الضغوط على الدولار، وإن كان هذا
بحاجة لعوامل مساندة أخرى منها خفض منسوب توتر الحرب التجارية، والتوصل إلى اتّفاق
مع الصين لتسوية الملفات التجارية والجمركية العالقة، ورفع ترامب يده عن الفيدرالي.
نتائج اجتماع البنك الفيدرالي غدا تعدّ بمثابة أحدث قراءة
لمسار وتأثيرات الحرب التجارية التي يقودها ترامب، ضد اقتصادات العالم وفي مقدمتها
اقتصادا الصين وأوروبا، فأيّ تلميحات بشأن عودة أو تنامي التضخم داخل الأسواق
الأميركية يعني أنّ إدارة ترامب فشلت في احتواء غلاء الأسعار، وأن التضخم لا يزال
يهدّد الاقتصاد الأميركي، وأن احتمالات تخفيف سياسة التشدّد النقدي وأسعار الفائدة
مستبعدة على الأقل خلال الشهور القليلة المقبلة.