العدد 1432 / 14-10-2020
يبدو
أن ملف التسليح في مصر سيصبح من المجالات الأساسية لاجتذاب المستثمرين ورؤوس المال
الضخمة من الدول الأوروبية الكبرى، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ويرغب نظام الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي في التركيز على هذا الملف، الذي يدرك جيداً أنه لن يتأثر
بخلافاته مع تلك الدول في القضايا الإقليمية والملاحظات العديدة التي تسجلها
عواصمها على ملفات حقوق الإنسان والمجال العام في مصر. حتى وإن لم يكن لهذا تأثير
إيجابي مباشر على الاقتصاد المصري، لا سيما مع عدم اكتفاء السيسي بتحقيق التحديث
العسكري المناسب للأنشطة التي يمارسها الجيش المصري في الداخل وفي محيطه الإقليمي،
وإصراره على شراء كميات كبيرة من الأسلحة، ولا سيما القطع البحرية الكبيرة، على
الرغم من عدم ظهور أفق لاستخدامها قريباً، وابتعاد احتمال اندلاع حرب في شرق
المتوسط.
وكشفت
معلومات من مصادر مصرية مطلعة، عن محادثات متقدمة بين مصر، ممثلةً في وزارة
الدفاع، وعدد من كبار الصانعين في إيطاليا وألمانيا، حول مشاريع إنشاء مصانع وورش
كبرى في مصر لتصنيع القطع البحرية والبرية لبيعها لدول الخليج العربي وأفريقيا،
وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لهذا الغرض. هذه الفكرة كان السيسي قد عرضها على رئيس
الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في وقت سابق هذا العام، وكشفتها "العربي
الجديد" في يونيو/حزيران الماضي. كما كانت محل نقاشات بين شركة
"فيركانتيري" الإيطالية المُصنعة للفرقاطات "فريم" ووزارة
الدفاع المصرية في عام 2018. لكن الأجواء المتوترة بين البلدين آنذاك على خلفية
قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة عرقلت استمرار المفاوضات.
أما
الجديد فهو أن الإيطاليين والفرنسيين يراقبون حالياً الاستعدادات الجارية بين
الترسانة البحرية في الإسكندرية ومجموعة "تيسن كروب" الألمانية لإنشاء
أول فرقاطة شبحية متعددة المهام من طراز "MEKO-A200" في
مصر، وستكون الرابعة التي تحصل عليها القاهرة من الطراز نفسه، إذ يجري حالياً
إنشاء الثلاث فرقاطات الأخرى في بريمرهافن في ألمانيا. وقالت المصادر إن هذه
الشراكة المصرية الألمانية تثير قلق بعض المصنعين الإيطاليين الذين كانوا قد
ترددوا على مدار أشهر في دخول شراكات مماثلة، خشية تطويرها لحساب الشركة الألمانية
ومواطناتها من أطراف التعاقدات الجديدة مع نظام السيسي.
وذكرت
المصادر أن من بين الحوافز التي يحاول بها النظام المصري جذْب الشركات من مختلف
الجنسيات في هذا الملف تسويق قدرة القاهرة على إيجاد سوق دائمة في دول الخليج
العربي، وبالأخص الإمارات، وكذلك بعض الدول الأفريقية، لشراء القطع البحرية بأسعار
تقل عن الأسعار اللازمة لاستيرادها من أوروبا. ومع حصول وزارة الدفاع المصرية
وشركاتها على قدر من الأرباح، فإنها ستستفيد أيضاً من تشغيل عدد متزايد من العمالة
المصرية الرخيصة تحت إشراف فني أوروبي.
وأضافت
المصادر أن هناك، على الأقل، ست شركات في إيطاليا وفرنسا وألمانيا تخوض مصر نقاشات
معها في هذا السياق حالياً، وأن المفاوضات مع شركتي "فيركانتيري"
و"ليوناردو" الإيطاليتين وصلت إلى الاشتراطات والإشكاليات الإنشائية،
وكيفية نقل خطوط الإنتاج ومناطق العمل والتسكين المقترحة على ساحل البحرين المتوسط
والأحمر. وأوضحت أن موافقة الحكومة الإيطالية نهائياً على بيع فرقاطتين متعددتي
المهام من طراز "فريم" لمصر بقيمة 1,1 مليار دولار، ومنْح وزارة الدفاع
المصرية قرضاً بقيمة 500 مليون يورو، أعطت المصنعين الإيطاليين الثقة بالمضي قدماً
في المفاوضات، على الرغم من معارضة الأحزاب اليسارية وبعض وزراء حكومة كونتي
للتوسع في العلاقات العسكرية مع مصر، بسبب سجل نظام السيسي المتردي في ملف حقوق
الإنسان وعدم حل قضية ريجيني.
يُذكر
أن وثيقة كشفت أن قيمة مشتريات مصر من الشركات الإيطالية، لتصنيع الأسلحة والذخائر
وقطع الغيار والبرمجيات العسكرية لعام 2019، تضاعفت ثلاث مرات عن قيمة المشتريات
في 2018 لتكون العليا في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وأوضحت
الوثيقة أن مصر جاءت في المركز الرابع عالمياً بين مستوردي الأسلحة الإيطالية، خلف
الكويت وقطر وألمانيا، وتعددت مشترياتها بين مجموعة من أكبر شركات التصنيع
الإيطالية على رأسها شركة "ليوناردو" التي تم الاتفاق معها أخيراً على
شراء 24 طائرة تدريب من طراز "إم-346" بقيمة إجمالية تتراوح بين 370
و400 مليون يورو. أما ألمانيا فقد باعت خلال الربع الأول من العام 2020 أسلحة لمصر
بقيمة 308 ملايين يورو.