العدد 1608 /3-4-2024
تقترب الحرب في السودان
بين الجيش وقوات الدعم السريع من نهاية سنتها الأولى، وسط حالة من الفوضى وانعدام
الأمن وتعدد الجيوش والمليشيات والصراعات السياسية والقبلية، وانسداد الأفق
السياسي وانهيار الاقتصاد.
ويحذّر مراقبون من خطورة
الحرب المتشابكة حالياً في السودان وتعدد أطرافها، في ظل انتشار الجيوش والمليشيات
والسلاح في أيدي المدنيين. وكان رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس قال،
في 15 يونيو/حزيران 2021: "لا يمكن أن يكون أي بلد مستقر في وجود 3 أو 5 أو 7
جيوش محترفة أو أكثر... لا بد من تشكيل جيش وطني واحد".
وتسبب الصراع العسكري
المدمر بين الجيش و"الدعم السريع" في دفع نحو ثمانية ملايين شخص إلى
الفرار من منازلهم، بما في ذلك 1.5 مليون شخص التمسوا الأمان في البلدان المجاورة،
حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومفوضية اللاجئين أخيراً.
ووسط الحرب بين الجيش
وقوات الدعم السريع تشهد البلاد حروباً أخرى، عسكرية وسياسية، تشترك فيها أطراف
متعددة بأهداف مختلفة، إذ انقسمت القوى السياسية والحركات المسلحة والمجموعات شبه
العسكرية وحتى القبائل بين طرفي الاقتتال. وبينما انحاز جزء إلى الجيش السوداني،
ساند جزء آخر "الدعم السريع" سياسياً وعسكرياً.
وكان عدد من الحركات
المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وقّع في أكتوبر 2020
اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية، التي أعقبت سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر
البشير. ولم ينضم فصيلان رئيسيان للاتفاق، وهما جيش تحرير السودان بقيادة عبد
الواحد نور، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.
ورغم عدم التوقيع على
اتفاق سياسي بين حركتي نور في دارفور والحلو في جنوب كردفان، إلا أن الحركتين
نفذتا، بالتعاون مع الجيش، عمليات عسكرية ضد قوات الدعم السريع، لصد هجماتها التي
طاولت المناطق الواقعة تحت سيطرة هذه الحركات، والتي تقطنها مجموعات سكانية تشكل
حاضنة اجتماعية للحركتين، اللتين لم يصدر عنهما أو عن الجيش ما يفيد بحدوث تحالف
أو اتفاق.
وانقسمت الحركات
الموقّعة على اتفاق السلام بدورها، إذ أيّد بعضها الجيش فيما التزم البعض الآخر
جانب الحياد، بانضمامه إلى تحالف القوى المدنية التي تطالب بإيقاف الحرب. وخلال
الأيام الماضية، اندلع خلاف بين هذه الحركات بسبب إعلان القوى الرافضة للحرب نيتها
تشكيل مجموعات مشتركة لحماية المدنيين في دارفور، وتلاسن نتيجة ذلك رئيس حركة
تحرير السودان مصطفى تمبور المؤيد للجيش، ورئيس تجمّع قوى تحرير السودان الطاهر
حجر المنضم للقوى المدنية.
على جانب آخر، تدور
معركة سياسية بين عناصر نظام البشير، وتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)،
التي يقودها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. وأصدرت النيابة العامة منشوراً
الأسبوع الماضي يوجه تهماً لـ16 شخصاً من قادة "تقدم" بـ"إثارة
الحرب ضد الدولة"، وأعلنتهم بمن فيهم حمدوك "متهمين هاربين".
وتعتبر
"تقدم"، في بيان في 6 إبريل/نيسان الحالي، أن الحرب التي "قتلت
الآلاف وشردت الملايين ومزقت النسيج الاجتماعي ودمرت البنى التحتية والمقدرات
الأمنية والعسكرية، هي في جوهرها ضد كل ما جاءت به ثورة ديسمبر (كانون الأول 2018)
المجيدة، وهي حرب الانقضاض على الثورة وقطع الطريق أمام الانتقال
الديمقراطي". ووصف بعض أعضاء التنسيقية، في تصريحات، التهم بأنها استهداف من
عناصر نظام البشير لها.
وفي الوقت ذاته، تواصل
الأجهزة الأمنية والعسكرية توقيف واعتقال أعضاء لجان المقاومة (تنظيمات شعبية
ثورية) والمتطوعين والناشطين السياسيين. وتم خلال الفترة الماضية اعتقال عدد من
هؤلاء الشباب. ودانت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية، في بيان في 8
إبريل الحالي، "استمرار الاعتقالات التعسفية واستهداف النشطاء والمتطوعين".
وقالت إن "الأجهزة الأمنية تعتقل الناشطين بذريعة التجمهر وفق قانون الطوارئ،
في الوقت الذي تستثني فيه أنصار نظام البشير الذين يقومون بأنشطة وفعاليات جهادية".
وفي خضم الحرب العسكرية
والسياسية، بدأت عدّة ولايات سودانية، وتحت اسم "المقاومة الشعبية"، في
تدريب متطوعين مدنيين وتسليحهم للدفاع عن أنفسهم ومناطقهم أمام تقدم قوات الدعم
السريع. وتتمثل حالياً أبرز المجموعات التابعة للإسلاميين (نظام البشير) في كتيبة
"البراء بن مالك" شبه العسكرية، والتي تعرّض عناصرها قبل أيام لهجوم
بطائرة مسيرة في مدينة عطبرة خلال إفطار رمضاني، أسقط عدداً من القتلى والجرحى.
أبرز المفارقات في الحرب
الحالية تظهر في استعانة الجيش بحركات مسلحة من دارفور (وقّعت على اتفاق سلام مع
الحكومة) لقتال "الدعم السريع"، وهي ذات الحركات التي كان
"الدعم" يقاتلها في الإقليم لصالح الحكومة، قبل أن يدب الخلاف على السلطة
بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان
دقلو (حميدتي).
ويحمّل المحلل العسكري
الضابط السابق في المعارضة السودانية حسام ذو النون مسؤولية ما يحدث في السودان
حالياً لما يصفها بميوعة الأوضاع السياسية وضعف الكيانات الحزبية ومؤسسات الدولة،
نتيجة للتخريب الممنهج طوال 34 عاماً.
ويرى ذو النون، في حديث
لـ"العربي الجديد"، أن حرب 15 إبريل تعبير عن بلوغ أزمات الدولة
السودانية مرحلة الانفجار الكبير، جراء سوء إدارة الدولة منذ الاستقلال (في عام
1956) إلى يومنا هذا. ويضيف ذو النون أنه "في ظل تعدد الصراعات المسلحة
وأطرافها، إن كانت فاعلة في الصراع الحالي أو تنتظر انجلاءه للقيام بالمواجهة
الأخيرة ضد المنتصر أيا كان، وفي ظل الإنهاك العسكري والاقتصادي والسياسي الكامل،
وتمزق اللحمة الوطنية الهشة، كنتيجة مباشرة لهذه الصراعات المسلحة، لا يوجد مخرج
يُقلل من مخاطر تمزق السودان، إلا ارتقاء جميع الأطراف لحجم المسؤوليات
الكبيرة" على عاتقها.
ويشدد على أهمية التوافق
على مشروع وطني حقيقي يكون معبراً عن الشعوب السودانية، ويستجيب لتطلعاتهم في وطن
يستلهم كل التنوع الثقافي والاجتماعي والسكاني، للوصول إلى دستور دائم يحفظ حقوق
جميع السودانيين على قدم المساواة، ويحدد كيفية حكم البلاد وفق نموذج يتوافق مع
طبيعة تركيبة السودان وتكوينه المتعدد "وإلا سيظل الصراع المدمر هو الخيار
السيئ المتوفر، حتى لو أدى إلى اختفاء السودان من الخرائط الجغرافية" على حد
تعبيره.
تداعيات الحرب على موارد
السودان
يقول المحلل السياسي
مجدي عبد القيوم، لـ"العربي الجديد"، إنه ينبغي التفريق بين المعارك
المسلحة والصراع السياسي. ويضيف: "في تقديري أن الحرب الأساسية والمباشرة هي
بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع، وهي في جذرها تداعيات لحرب غير مباشرة حول
الموارد، أو كما سماها تقرير لصحيفة نيويورك تايمز حرب الكفلاء على موارد السودان".
ويشير عبد القيوم إلى
أنه من خلال المتابعة ليست هناك الآن معارك بين الجيش وحركتي عبد الواحد نور وعبد
العزيز الحلو لأسباب تكتيكية لكل الأطراف، أما الحرب بين قوى الثورة والفلول فتلك
معركة سياسية بأدوات اللعبة السياسية، وإن جنحت أحياناً نحو الخشونة والخروج عن
قواعد اللعبة، لكنها في نهاية المطاف صراع سياسي طبيعي.
ويرى عبد القيوم أن كل
ما يجري في السودان يتأثر بعوامل وصراعات خارجية. ويعتبر أن ما يظهر من فوضى
مصطنعة سيتوقف حال توافق الكفلاء على رؤية تراعي مصالح كل طرف في السودان. وبينما
يعتقد أن الأمور بلغت الآن ذروتها، يقول إن ما يجري هو تطبيق عملي لسياسة حافة
الهاوية، أو دفع الأمور باتجاه الأزمة لحلها، والشرط الوجوبي لذلك هو اتفاق القوى
المدنية على صيغة ما، و"أعتقد أن بوادر ذلك تلوح في الأفق رغماً عما يكتنف
المشهد من ضبابية".