العدد 1436 / 11-11-2020
بقلم
: ياسين أقطاي
بات
واضحا أن مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تتسم بالإسلاموفوبيا. ذلك إن مفهوم
الإسلاموفوبيا في حد ذاته بات مشهورا، وهذه العبارة التي تعني الخوف من الإسلام لم
تعد صعبة الفهم في وسائل الإعلام الدولية اليوم، أمام الصور المخيفة التي تعرض عن
هذه الديانة، وعندما يكون الخوف هو العامل المحرك، فإنه من المفهوم أن يصبح هناك
خوف من الإسلام بسبب ما يظهر على وسائل الإعلام في أنحاء العالم، حيث تبدو جغرافيا
العالم الإسلامي كاملة كأنها خط من النار.
ورغم أن سبب اندلاع خط النار هو غزو
الدول الغربية ومخططاتها وممارساتها الإمبريالية، فإن كل شيء يحدث داخل حدود
الجغرافيا الإسلامية، والإسلام بات مخلوطا بكل هذه الأخبار حول الحروب والموت
والعنف في الشاشات، وفي العالم الغربي الذي يتعرض لهذه الأخبار، بات من العادي
تقريبا أن يشعر المواطن البسيط بالخوف من الإسلام.
في
هذه الحالة، من الممكن أن نتفهم هذا الخوف عند الناس البسطاء؛ ولكن الحقيقة
الصادمة والمؤكدة وراء كل هذه الحروب والعنف والوفيات التي تحدث في العالم
الإسلامي، هي أن كل ضحايا هذا العنف هم من المسلمين. أولئك الذين ماتوا أو احترقت
منازلهم أو تعرضوا للقصف، وأولئك الذين عانوا من العنف والاستبداد والتعذيب، على
يد الأنظمة الدكتاتورية الانقلابية التي تحظى بدعم الدول الغربية إلى جانب
الإسلامية.
أيضا،
المسلمون هم الذين أجبروا على الفرار من أوطانهم بسبب الحروب بالوكالة، التي
تديرها الدول الغربية فوق أراضيهم. ومن جهة أخرى، هناك من يخافون من المسلمين
ويكرهونهم ويتعاملون معهم بعدائية، وهذا الأمر ليس عادلا أبدا.
في
الحقيقة، ليس هناك حدود للمجازر التي تعرض لها المسلمون على يد فرنسا عبر التاريخ
والآن مع إيمانويل ماكرون. والمجموعات الإرهابية التي يدعمها الرئيس الفرنسي في
الشرق الأوسط ترتكب عددا لا يحصى من جرائم القتل والتعذيب والتهجير والتطهير
العرقي، كل يوم وحتى يومنا هذا. ورغم كل ذلك يتجرأ ماكرون على الحديث عن الإسلام
المعتدل.
أنا
أتساءل كيف يمكنه أن يعرف إسلاما أكثر اعتدالا من ذلك الذي يؤمن به ضحاياه. فالكل
يعرف أن ماكرون يدعم حفتر في ليبيا. ودعمه هذا لحفتر يتضمن طبعا دعم المجموعات
التي تقاتل تحت قيادة هذا الجنرال الليبي المتقاعد، ومن بينهم
"المداخلة" المدعومون من المملكة العربية السعودية، والذين يعتبرون
الأكثر تطرفا في العالم الإسلامي. وهكذا، فإن من يخالف تعاليم الإسلام ويدعم تنظيم
الدولة، بمجرد أن يقاتل إلى جانب فرنسا ويشارك في مجازرها، يتم التوقف عن وصفه
بالمتشدد، ويعتبر إسلامه إسلاما معتدلا.
المستبدين
دائما ما يخافون من ضحاياهم، وهذه الظاهرة موجودة في علم النفس، وهي الخوف المرضي
أو جنون الارتياب "البارانويا"، مثل خوف فرعون من الأطفال، والخوف من
انبعاث الموتى. وفي عديد من القصص القديمة التي تتحدث عن الغول، مثل مسرحية شكسبير
الشهيرة "هاملت"، يشعر القتلة بخوف شديد من الأشباح
هذه الجماعات
هي الأكثر تطرفا من بين كل التكفيريين في العالم الإسلامي، وهم ينظرون إلى كل ليبي
لا يشاركهم أفكارهم على أنه كافر، ويُعدون دمه وأملاكه وعرضه حلالا عليهم، نحن لم
نعد قادرين على متابعة أعداد المقابر الجماعية للمدنيين الذين قتلوا في ترهونة قرب
طرابلس، على يد هذه الجماعات التي تحظى بدعم ماكرون، ورغم كل ذلك، فإن الرئيس
الفرنسي يدعي أن تركيا وقطر تمثلان الإسلام الانعزالي في مواجهة هؤلاء القتلة
الذين يمثلون الإسلام المعتدل حسب رأيه؛ ولكن من الواضح أن هذه المجازر التي تعد
جرائم ضد الإنسانية الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه هو شريك فيها.
ولكن
خوف ماكرون هو في الواقع ينبع من داخله وليس من الإسلام، وبالحديث عن هذه المفارقة،
دعونا نسلط الضوء على حقيقة واضحة: في الحقيقة المشكلة ليست الخوف، إذ إن آخر شيء
يمكن أن يسبب الخوف للناس اليوم هو الإسلام. المشكلة في الواقع هي الكراهية
والعدائية لا الخوف؛ ولذلك لا يجب فتح الباب والتساهل مع هذه العدائية الظالمة
وخلطها مع شعور طبيعي كالخوف.
والخوف
من أن أولئك الذين تم قتلهم سيعودون للحياة مجددا، هو في الواقع نتيجة لشعور
بالذنب تجاه هؤلاء الضحايا. وبالمنطق نفسه فإن أولئك الذين ارتكبوا مجازر ضد
الإسلام، واعتقدوا أنهم قضوا على هذا الدين قبل 100 عام، يمكننا أن نتفهم
بالاعتماد على علم النفس، أنهم يرون هذا الغول المخيف عند النظر في عيني الإسلام؛
لأن هذا الدين بات حضوره يتزايد يوما بعد يوم.
ولكن
هنالك أيضا نوع آخر من الخوف، يشبه خوف فرعون من النبي موسى، وهو ما دفعه لارتكاب
شتى أنواع الاستبداد من أجل الحفاظ على عرشه. هذا الخوف يظهر كجنون ارتياب يصل إلى
حد قتل كل الصبيان في القبيلة؛ لأنه يخشى من ظهور موسى الذي سوف يقف ضده في يوم من
الأيام.
وهذا
هو نوع الخوف الذي نراه في ممارسات حكام العالم العربي اليوم. فرغم أنهم حولوا
بلدانهم إلى سجن كبير، وقاموا بترهيب كل معارضيهم من خلال القتل والسجن والنفي والتعذيب
والتضييق، فإنهم يواصلون رغم ذلك تصوير ضحاياهم أمام العالم على أنهم "خطرون
وإرهابيون"؛ ولكن حتى لو قتلوا كل أطفال الشعوب التي تطالب بالحرية في المهد،
فإن الله بصدد تنشئة ذلك الطفل تحت عناية قصر فرعون نفسه، وهكذا كانت دائما الحكمة
الإلهية.