العدد 1695 /24-12-2025
لم تعد أرقام
التصحر في تقارير المؤسسات العراقية مجرد مؤشر تقني، بل باتت واقعاً يضرب مساحات
شاسعة من أرض العراق.
يكشف الجهاز
المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، في تقريره الصادر أخيراً، عن أن
المساحات المهددة بالتصحر بلغت 96.5 مليون دونم (الدونم = 2500 متر مربع)، فيما
وصل إجمالي الأراضي المتصحرة إلى 40.4 مليون دونم، ما يعكس زيادة ملحوظة مقارنة
بعام 2021.
وفي الوقت نفسه،
أورد التقرير أن المساحة المزروعة الكلية في العراق خلال عام 2024 بلغت 11.9 مليون
دونم فقط، توزعت بين الأراضي الديمية (البعلية) والمروية وتلك التي تعتمد على مياه
الأنهار، والتي انخفضت إلى نحو 1.5 مليون دونم، في مؤشر مباشر على تفاقم الأزمة
المائية.
هذه الأرقام جاءت
نتاج تراكم سياسات مائية إقليمية ومحلية، وتغيرات مناخية متسارعة، وممارسات زراعية
غير مستدامة أدّت مع الوقت إلى تملّح وتدهور واسع في التربة.
يشير الخبير
الزراعي شاكر الدليمي، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى ضرورة التوقف عند
مجموعة عوامل متشابكة حول ملف التصحر، أولها السياسات المائية لدول المنبع، حيث
يعتمد العراق بشكل شبه كامل على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، وأنهر
صغيرة أخرى تنبع من إيران، وقد أدى بناء السدود الكبرى وتعديل سياسات الإطلاقات
المائية في البلدين الجارين إلى تقليص الحصة المائية الواصلة إلى الداخل العراقي.
ويضيف الدليمي
إلى أن ثاني العوامل هو التغير المناخي، إذ يعدّ العراق ضمن أكثر الدول هشاشة أمام
تغير المناخ، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، وتراجع معدلات الأمطار،
وتكرار موجات الجفاف.
وثالثاً يأتي
"تدهور إدارة الموارد المائية داخلياً"، حسب الدليمي، موضحاً أن
"استخدام تقنيات الري الحديثة ما زال محدوداً، أما رابع العوامل فهو تملح
التربة والاستنزاف الجوفي جراء توسّع الاعتماد على الآبار".
في شأن متصل يقول
المتخصص في الزراعة المستدامة، المهندس الزراعي صالح مهدي، إن "الزراعة
العراقية تواجه أسوأ أزمة منذ عقود"، مبيناً "ما نراه اليوم ليس تذبذباً
موسمياً، بل تآكل ممنهج لأسس الإنتاج الزراعي".
ويضيف مهدي في
حديثه: إن "الانتقال من ري الأنهار إلى الاعتماد على الآبار له ثمن بيئي؛
فهبوط المياه الجوفية يرفع مستوى الملوحة ويخفض من خصوبة التربة، وهذا يفسر لماذا
يتحول المزارع إلى زرع محاصيل أقل قيمة أو التخلي عن الزراعة كلياً".
ويقدم الخبير
الزراعي أرقاماً مقارنة، إذ يلفت إلى أن الأراضي التي كانت تعتمد على مياه الأنهار
انخفضت بنسبة قد تصل إلى 60% في بعض الإحصاءات الحكومية، وفي بعض المحافظات كانت
الأراضي المروية تتراوح بين 4–6 ملايين دونم، لكن اليوم تقلصت إلى أقل من النصف في
مواسم متعددة. ما يأسف عليه مهدي هو أن العراق "خسر كثيراً عندما لم يلحق
بالتطور التقني في الزراعة والري".
من جهته يوضح
الباحث في الشأن البيئي، حسين النداوي، المخاطر التي تهدد الأحياء المائية في
العراق جراء التصحر، مبيناً أنه لاحظ أن انخفاض التدفق النهري وارتفاع الملوحة أدى
إلى انخفاض التنوع السمكي وازدياد الهجرة والنفوق.
ومن جانب آخر
يوثق النداوي من واقع زيارات ميدانية لقرى في محافظات الوسط والجنوب، مشاهد الهجرة
الداخلية، مؤكداً أن "العديد من العائلات لم تعد ترى جدوى من البقاء على
الأرض".
وأشار إلى أن هذا
التحول الاجتماعي له آثار فورية تتمثل في "تراجع إنتاج الحبوب والخضراوات
المحلية، وانهيار سلاسل الإمداد المحلية، وزيادة الضغط على المدن من خلال موجات
نزوح ريفي".