العدد 1571 /19-7-2023
عادل نجدي
عكست رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول من أمس الاثنين، وإعلان تل
أبيب الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، تحوّلاً في تعاطي تل أبيب مع هذا
الملف، وذلك بعد التردد والغموض الذي طبع المواقف الإسرائيلية من القضية، وما
اعتبر "ابتزازاً" من قبلها للجانب المغربي.
وبعد نحو 30 شهراً من توقيع الاتفاق الثلاثي بين
الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل، الذي تم بموجبه استئناف العلاقات الدبلوماسية
بين الرباط وتل أبيب، أعلن نتنياهو اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء،
وأنها تدرس "إيجابياً فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة" (ثاني كبريات
حواضر الصحراء).
وعلى الرغم من عودة العلاقات الدبلوماسية بين
إسرائيل والمغرب في ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أن تل أبيب لم توضح بشكل صريح
موقفها من الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء إلا في 28 مارس/آذار 2022،
حين عبّر وزير خارجيتها السابق يئير لبيد، خلال "قمة النقب" الأولى، عن
دعم بلاده مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، مؤكداً أن الرباط وتل أبيب ستعملان معاً
لمواجهة "محاولات إضعاف سيادة المغرب ووحدة أراضيه".
وقبل نحو شهر من إعلان نتنياهو، كانت لافتة دعوة
رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا، الحكومة الإسرائيلية إلى "دعم مغربية
الصحراء بشكل رسمي وواضح"، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس مجلس
النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) رشيد الطالبي العلمي، عقب
مباحثات جمعتهما في الرباط في 8 يونيو/حزيران الماضي.
في المقابل، بدا مثيراً للانتباه اشتراط الحكومة
الإسرائيلية الحالية، في 3 يوليو/ تموز الحالي، عقد المغرب اجتماع مجموعة النقب،
التي تضم وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب والإمارات والبحرين
ومصر، على أرضه، لتبدأ حكومة تل أبيب التفكير في اعترافها بسيادة الرباط على
الصحراء. وهو الاشتراط الذي وضعه الإعلام المغربي في خانة الابتزاز.
وإذا كان إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد
ترامب، في 10 ديسمبر 2020 اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، وفتح تمثيلية قنصلية في
مدينة الداخلة، واعتبار أن "إقامة دولة مستقلة في الصحراء ليست خياراً
واقعياً لحل الصراع"، كان مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" لها ما بعدها
على الملف، فإن السؤال الذي يُطرح اليوم بعد إعلان تل أبيب اعترافها بسيادة المغرب
على الصحراء هو حول دلالات القرار ومدى تأثيره على مسار الملف.
وقال مسؤول مغربي رفيع في تصريح لوكالة
"فرانس برس"، أمس، إن القرار الإسرائيلي "نتيجة للتطور المطّرد
للتعاون بين بلدينا منذ استئناف علاقاتنا الدبلوماسية، في ميادين عدة اقتصادية
وسياحية وأمنية".
وأضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن القرار يندرج أيضاً
في سياق "الحركية الإيجابية التي يشهدها هذا الملف في السنوات الأخيرة"،
مشيراً خصوصاً إلى الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ودعم نحو
15 دولة أوروبية لمقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط، وأيضاً افتتاح نحو 30
دولة قنصليات في مدينة العيون والداخلة. واعتبر أن الاعتراف الإسرائيلي
"بمغربية الصحراء يعزز هذه الحركية".
ورأى الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة
التطبيع" عزيز هناوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مغربية
الصحراء لا تحتاج إلى الاعتراف الصهيوني بها"، واصفاً إياه بأنه "خنجر
مسموم تُطعن به قضية الصحراء منذ أن كانت، وهو أكبر هدية لأعداء المغرب". كما
أنها "هدية مسمومة ستؤدي إلى إفقاد قضية الصحراء مرجعيتها الوطنية الشعبية
الجامعة"، وفق قوله.
وشدّد هناوي على أن "الاعتراف بمغربية
الصحراء من طرف الصهاينة ليس مصلحة مغربية حقيقية، وإنما مصلحة إسرائيلية لفتح
الباب أكثر لاختراق المغرب في كافة المجالات، ثم استخدامه كمنصة لاختراق ليس فقط
المنطقة المغاربية وإنما كذلك المنطقة الأفريقية عبر الغرب الأفريقي".
وذهب هناوي إلى أن استخدام إسرائيل منصة الصحراء
وما يقوله نتنياهو عن دراسة إمكانية فتح قنصلية في مدينة الداخلة، "يهدف
للتسلل إلى ثروات ومقدرات المغرب في الصحراء المغربية براً وبحراً وفي باطن
الأرض"، معتبراً أنه أمر بدأت مؤشراته في الأشهر العشرين الماضية.
ورأى الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة
التطبيع" أن الاعتراف الاسرائيلي هو "تهديد كبير وجدّي لمشاعر المغاربة
الصحراويين الوحدويين، والذين سيتم الزج بهم ليكونوا لقمة سائغة لبروباغندا
الجزائر الداعمة للانفصال عبر القول إن مغربية الصحراء تساوي إسرائيليتها،
وبالتالي من مصلحتكم كصحراويين التفكير ملياً في أن تكونوا مع الوحدة المغربية ومن
ثم القبول بالصهينة والإسرائيلية، أم أن عليكم أن تغيروا وجهتكم ومزاجكم في اتجاه
مغازلة الطرح الانفصالي باعتباره سيصبح نضالياً ضد الصهيونية"، وفق تعبيره.
وتابع: "نحن نقدم هدية خطيرة لدعاية الانفصال من حيث نتوهم كمغرب، أننا قد
حققنا إنجازاً دبلوماسياً كبيراً بالاعتراف الصهيوني".
وأضاف هناوي: "الله وحده يعلم ما هو المقابل
الذي سيُدفع ازاء هذا الاعتراف وما حجم وطبيعة الابتزاز الذي سنخضع إليه، سواء في
قضايانا الوطنية الداخلية أو في علاقاتنا بفلسطين أو في المنطقة الأفريقية
والعربية. الاعتراف الصهيوني بمغربية الصحراء هو أسرلة للصحراء وليس مغربة
لها".
لكن رئيس مركز "أطلس لتحليل المؤشرات
السياسية والمؤسساتية" محمد بودن، قال في حديث لـ"العربي الجديد"،
إن القرار لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على الموقف المغربي الثابت والداعم للقضية
الفلسطينية والتزامه بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، بدوره الفاعل لخدمة
مسيرة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ورأى بودن أن القرار يعبّر بشكل صريح عن مدى إدراك
إسرائيل للمحددات التي وردت في مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 69 لثورة
الملك والشعب، بتأكيد ملك المغرب أن ملف الصحراء المغربية هو النظّارة التي ينظر
بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات
ونجاعة الشراكات.
من جهته، اعتبر رئيس مركز "شمال أفريقيا
للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية"، رشيد لزرق، أن الاعتراف
الإسرائيلي له علاقة بتفعيل الالتزام الوارد في الاتفاق الثلاثي، بين الولايات
المتحدة والمغرب وإسرائيل، موضحاً أنه "جاء في توقيت مهم للغاية وفي ظرف
حسّاس يتسم بمحاولة فرنسا ابتزاز المغرب من خلال الاتحاد الأوروبي واتفاقيات
الشراكة والصيد البحري".
ورأى أن القرار "يمكن أن يشكل دفعة في مواجهة
الحملة الشرسة للأطراف المعادية للمغرب الممولة من طرف الجزائر والداعمة لجبهة
البوليساريو داخل الكونغرس الأميركي". كما أنه "ترجمة لمطلب المغرب
لشركائه بالوضوح في ما يخص ملف الصحراء المغربية، وكمحدد أساسي لسياسته الخارجية"،
وفق قوله.