العدد 1447 /3-2-2021
بعد الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت في
10 تشرين الثاني الماضي، والتي أظهرت عزوفاً كبيراً عن المشاركة، برزت مطالبات
بإعادة النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية في البلاد، أبرزها ما جاء على لسان
العاهل الأردني عبد الله الثاني، الذي دعا في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية
(بترا)، نُشرت في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى ضرورة إعادة النظر في هذه القوانين،
كقوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية، بهدف تعزيز المشاركة السياسية للأحزاب
وللشباب.
اليوم لا يمكن إغفال
أهمية الإصلاح السياسي في الأردن، في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها
البلاد، وارتفاع معدلات البطالة إلى أرقام قياسية، واتساع دائرة الفقر، واهتمام الإدارة
الأميركية الديمقراطية بحقوق الإنسان والحريات والانتخابات، فيما الضبابية تغلف مستقبل
الإقليم المضطرب. كل ذلك يأتي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي لم تتجاوز المشاركة
فيها نسبة الـ30 في المائة، فيما اقتصرت أعداد مقاعد الأحزاب في البرلمان على 12 مقعداً،
على الرغم من مشاركة 47 حزباً من أصل 48، وبنسبة 9 في المائة من إجمالي مقاعد المجلس
البالغة 130، فيما أشار تقريران للمركز الوطني لحقوق الإنسان وتحالف راصد لمراقبة الانتخابات،
إلى وجود انتهاكات جسيمة في الانتخابات.
وتبدّلت مواقف من
كانوا يتغنون بمثالية قانوني الانتخاب والأحزاب بالأمس. وقال وزير الشؤون السياسية
والبرلمانية موسى المعايطة، في تصريحات صحافية، إن قانون الانتخاب الحالي لم يؤدِ إلى
النتائج المرجوة خلال الدورتين الماضيتين وعليه ملاحظات عدة، معتبراً أن "قانون
الانتخاب وغيره من القوانين السياسية عززت العمل الفردي، ولكي نصل للحكومة البرلمانية
يجب أن تكون هناك أحزاب تحقق أغلبية داخل البرلمان". أما رئيس مجلس الأعيان فيصل
الفايز، فقال إن هناك تحفظات على قانون الانتخاب الحالي وسلبيات كثيرة فيه، مؤكداً
ضرورة تعديله.
وعقد رئيس الوزراء
بشر الخصاونة ورئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز ورئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات،
الأحد الماضي، اجتماعاً حول التعاون والتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتنمية
القوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية وقانون
الإدارة المحلية.
وقالت الأمينة العامة
لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، العضو السابقة في مجلس النواب عبلة أبو علبة،
في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إصلاح التشريعات الناظمة للحياة السياسية
يُعتبر حجر الزاوية في عملية إعادة بناء الحياة السياسية، مضيفة "منذ إقرار قانون
الصوت الواحد عام 1993 ونحن نطالب بإجراء تغييرات جوهرية على قانون الانتخابات النيابية،
وإلغاء قانون الصوت الواحد، لأنه شكل سدّاً منيعاً في وجه الأحزاب السياسية والشخصيات
التقدمية والديمقراطية بشكل خاص".
ورأت أن قانون الانتخاب
الذي أعيد إنتاجه بصور مختلفة في السنوات الماضية، هو السبب الرئيسي في تراجع الحياة
السياسية وإحلال الظواهر الجهوية وكل أشكال الفساد المالي مكان مركزية البرنامج الوطني
واحترام التعددية. وتابعت: "لا شك أن المطلوب أساساً هو تعديل قانون الانتخابات
النيابية على وجه الخصوص، على قاعدة تأمين نظام انتخابي عادل يضمن المشاركة التمثيلية
الواسعة في السلطة التشريعية في البلاد، ويمهد مستقبلاً لحكومات برلمانية منتخبة".
وأملت أبو علبة
"ألا تتكرر أخطاء الماضي، عندما جرى الالتفاف على قانون الصوت الواحد، بإعادة
إنتاجه وفق صيغ مختلفة"، مضيفة "وجهة نظرنا تتحدد بالمطالبة بقانون على أساس
القائمة الوطنية المغلقة والتمثيل النسبي الشامل، كما أنه من غير الممكن الشروع في
خريطة طريق للإصلاح السياسي من دون إطلاق الحريات العامة ووقف الانتهاكات في ما يخص
حرية الرأي والتعبير، لذلك فإن القوانين الناظمة للحريات العامة بحاجة لمراجعة وتعديل
في هذا الاتجاه". وتابعت: "لا نعرف ما هو حجم الإصلاح ومستواه الذي تسعى
إليه السلطة التنفيذية، خصوصاً أن موضوع الإصلاح السياسي لم يرد في برنامج الحكومة
الذي أخذت على أساسه الثقة، لكن التصريحات الصادرة عن أقطاب السلطات بعد مقابلة الملك
والدعوة إلى الشروع في الإصلاح السياسي، تدل أن هناك خريطة طريق نحو السير في هذا الاتجاه".
وأكدت أبو علبة ضرورة
تشكيل هيئة حوار وطني تضمّ ممثلين عن جميع الأطياف والقوى السياسية والاجتماعية المنظمة،
والالتزام بعدم الالتفاف على التغيير الجوهري المطلوب في تعديل القوانين، وإطلاق الحريات
العامة والاستفادة من الدروس والمعطيات الواردة في تقارير المؤسسات الرقابية، خصوصاً
المركز الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
من جهته، رأى الرئيس
السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد الشنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"،
أن الانتخابات الماضية التي جرت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، لم تؤدِ إلى خلق منظومة
سياسية صحية، بل تسبّبت بعدم فوز مرشحي الأحزاب، واصفاً القانون الحالي، الذي جرت وفقه
الانتخابات البرلمانية، بأنه طارد للحياة السياسية الحقيقية، مشيراً إلى أنه أثبت فشله
في الدورتين الانتخابيتين الماضيتين، وبدلاً من تطوير الحياة السياسية أعاق مسيرتها.
وقال إن القانون أثّر
كثيراً وبشكل سلبي على نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على الرغم
من أن هناك من يرى أن ضعف المشاركة مرتبط بفيروس كورونا، لكن العزوف عن المشاركة كان
أكثر ارتباطاً بقانون الانتخاب. أما بالنسبة لقانون الإدارة المحلية، فأوضح أنه على
الرغم من مرور سنوات عديدة على إقرار قانون المركزية والإدارة المحلية، لم يحدث تقدّماً
في نوعية الخدمات، ولم يشكل إضافة كبيرة في الواقع المحلي.
ولفت الشنيكات إلى
أمر آخر يمكن ربطه بهذه التطورات، هو أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن
مهتمة بقضايا حقوق الإنسان، وقضايا الانتخابات والتعددية والإصلاح السياسي، مضيفاً:
"ربما جزء مما نتأثر به في هذه المنطقة وضع إدارة بايدن هذه المنطقة ضمن أولوياتها،
واستجابة لهذا التغيير واستباقاً للأمور يمكن إعادة النظر بالقوانين الناظمة للحياة
السياسية في البلاد، فإدارة بايدن هي عكس إدارة سلفه دونالد ترامب التي لم تكن تهتم
كثيراً بحقوق الإنسان والحريات السياسية والديمقراطية في دول العالم".
أنور الزيادات