العدد 1514 /1-6-2022
يواصل
النظام السوري محاولاته إغراق اللجنة الدستورية، التي تعقد جولة ثامنة في جنيف،
بـ"التفاصيل"، وهو الأسلوب الذي دأب على استخدامه منذ العام 2012،
للهروب من استحقاقات الحل السياسي الذي رُسم من خلال قرارات دولية، يرفض النظام
التعامل معها بجدية.
واستأنفت
"اللجنة المصغرة" من الهيئة العامة للجنة الدستورية السورية، المشكلة من
النظام والمعارضة والمجتمع المدني، أعمال جولتها الثامنة، أمس الثلاثاء، في مدينة
جنيف، من دون تحقيق أي اختراق يُذكر، حيث ما زالت المباحثات تدور في حلقة مفرغة
منذ أواخر 2019.
وتتابع
الوفود مناقشة "مبادئ دستورية"، حيث طرح وفد النظام، أمس الثلاثاء،
ورقته عن "الحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها"، في سعي منه إلى اعتبار
الأجهزة الأمنية، التي ارتكبت المجازر واعتقلت عشرات آلاف السوريين على مدى أكثر
من عقد، من المؤسسات التي يجب الحفاظ عليها. ومن المقرر أن تُناقش، اليوم
الأربعاء، الورقة المقدمة من وفد المعارضة عن "سمو الدستور وتراتبية
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية".
تباين
داخل وفد المجتمع المدني
وتجسد
التباين داخل وفد المجتمع المدني ضمن اللجنة، والذي من المفترض أن يكون طرفاً
ثالثاً محايداً، إذ انقسم إلى قسمين، واحد محسوب على النظام والآخر على المعارضة،
وقاما بتقديم ورقتين مختلفتين، كل واحدة تخدم مصالح الطرف الذي يؤيدها.
وستتم
غداً، الخميس، مناقشة مبدأ ورقة وفد المجتمع المدني المحسوب على المعارضة، وتتعلق
بـ"العدالة الانتقالية". وكان وفد المجتمع المدني المحسوب على النظام قد
تقدم، الإثنين الماضي، بورقة حول "الإجراءات القسرية الأحادية الجانب من
منطلق دستوري"، والتي أشارت إلى أن هذه الإجراءات "تشكل إرهاباً
اقتصادياً على الشعب السوري، يمس بالحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور، وهي تحد
من القدرة على تأمين متطلباته الأساسية
وذكرت
الورقة أن "الدولة تلتزم بالسعي إلى رفع التدابير القسرية الأحادية الجانب،
وبمطالبة الدول التي قامت بفرضها بدفع التعويضات المناسبة جراء ذلك، وتعد مناهضة
ورفض هذه العقوبات واجباً وطنياً على كل سوري".
وبيّن
عضو اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية من جانب المعارضة طارق الكردي، في حديث مع
"العربي الجديد"، أن "موضوع العقوبات سياسي وليس دستورياً"،
مشيراً إلى أن النظام حاول إقحام هذا الأمر عن طريق وفد المجتمع المدني القريب منه.
وبيّن
أن وفد المعارضة أوضح "أن المطروح هو قضية سياسية بالدرجة الأولى. ويأتي
الحديث عنها بعد الاتفاق السياسي وتنفيذ القرار 2254، عندما تزول الأسباب التي
دفعت الدول لوضع هذه الإجراءات وفرض العقوبات".
وأشار
الكردي إلى أن مبدأ "العدالة الانتقالية" الذي قدمه وفد المجتمع المدني
المحسوب على المعارضة "جزء أساسي من مسار السلام، وجوهر أساسي دستوري".
وتتألف
الهيئة المصغّرة للجنة الدستورية من 45 عضواً، مهمتها صياغة مضامين وقواعد مشروع
الدستور لرفعها إلى الهيئة الموسعة لمناقشتها وإقرارها، والمؤلفة من 50 عضواً من
كل طرف من الأطراف الثلاثة، النظام والمعارضة والمجتمع المدني.
ومنذ
بدء جولات اللجنة الدستورية في أواخر العام 2019، حرص النظام السوري على إضاعة
الوقت، وحرف اللجنة عن مسارها، لذا كانت نتيجة سبع جولات من التفاوض في جنيف، تحت
إشراف الأمم المتحدة، صفراً.
ولا
تزال الوفود تناقش على مدى أكثر من عامين "مبادئ دستورية"، ولم تصغ حتى
اللحظة أي مادة من مواد الدستور، ما يعني أن عملية التفاوض حول المسألة الدستورية
ربما تستمر لأعوام، وهو ما يريده النظام، الذي يبدو أنه غير مكترث بالتوصل لحل
سياسي يمكن أن ينقذ البلاد من التفتيت.
وتتعزز
القناعة لدى الشارع السوري المعارض بأنه لا طائل من التفاوض مع النظام، رغم أن
المعارضة رضيت تحت الضغط الإقليمي بتقديم التفاوض حول المسألة الدستورية، في نسف
لتراتبية القرار الدولي 2254 الذي صدر في العام 2015، ونص على تحقيق انتقال سياسي،
من خلال هيئة حكم كاملة الصلاحيات "ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير
طائفية"، تشرف على كتابة دستور.
ويبدو
أن المعارضة تتجنّب حتى اللحظة إعلان الانسحاب من اللجنة الدستورية، حتى لا تظهر
أمام المجتمع الدولي بمظهر المعطّل للعملية السياسية، وهو ما يسعى إليه النظام، من
تبديد الوقت من دون تحقيق أي إنجاز. وكان عدد من أعضاء اللجنة الدستورية من
المستقلين قد أعلنوا الانسحاب منها، معتبرين مسارها عبثياً وبائساً، داعين للعودة
إلى القرارات الدولية وتطبيقها وفق تسلسل البنود الواردة بها.
وأعلنت
سميرة مبيض، وهي عضو اللجنة من جانب المجتمع المدني، أمس الأول الإثنين، مقاطعتها
اجتماعات اللجنة الدستورية في جولتها الثامنة، والتي بدأت الاثنين الماضي وتنتهي
الجمعة، كي لا تحمل "وزر أي نتائج كارثية قد تنجم عن مساعي تقاسم السلطة بين
المعارضة والنظام، وما ينعكس عنها من تقاسم الأراضي السورية، وتهجير المواطنين السوريين
بهدف تصنيع مناطق ذات خلفيات إيديولوجية وقومية، أو مذهبية، سعياً لتقاسمها بين
أطر المنظومة السابقة".
وأضافت
مبيض، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه بعد عامين ونصف العام من بدء عمل
هذه اللجنة تبين عجزها عن الخروج عن إعادة تدوير الماضي، وبناء رؤى ومسارات حديثة
تحقق مطالب السوريين.
واعتبرت
مبيض ذلك أمراً بديهياً "في ظل سيطرة أقطاب الصراع من المنظومة القديمة، من
معارضة ونظام، على مفاصل العمل وآلياته، وعلى هدف اللجنة، ومحاباة هذا النموذج من
قبل المعنيين في الأمم المتحدة، وعدم إتاحة مكان للصوت المدني المستقل الدافع
بأولوية مصلحة السوريين".
ورأت
مبيض، السياسية والباحثة الأكاديمية في علوم الأنثروبولوجيا والبيئة، أن
"التعبير عن الاحتجاج حيال تكرار تدوير هذا الفشل واجب كل من يحرص على مستقبل
سورية، لكونه مسار تدمير وتفتيت ذاتي للبلد، لتحقيق مصالح تيارات أيديولوجية مسلحة
عابرة للحدود، ولن يقدم الاستقرار للسوريين".
وأوضحت
مبيض أنها تتمسك بـ"رؤية سياسية بعيدة عن هذا التدهور، ترتكز على التنوع
السوري، وعلى صوت الغالبية المتضررة من هذا التغول، وتحييد قوى الصراع العسكري،
وما تقود إليه المنطقة من دمار وتدهور
أمين العاصي