العدد 1652 /19-2-2025

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، المبرم بوساطة قطرية ومصرية، مرحلة حساسة للغاية جراء التنصل الإسرائيلي المتكرر من الوفاء بالتعهدات التي وقعت عليها.

وخرق الاحتلال الإسرائيلي الاتفاق عشرات المرات، لا سيما ما هو متعلق بالبروتوكول الإنساني، الذي يشمل المرحلة الأولى من الصفقة، وينص على إدخال البيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة والبدء في عملية إعادة إعمار المستشفيات والمراكز الحيوية. وتصاعدت حدة الخروق الإسرائيلية منذ زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقائه في الخامس من فبراير/شباط الحالي بالرئيس دونالد ترامب، الذي أطلق تصريحات غير مسبوقة تتضمن تهجير أهالي غزة والسيطرة على القطاع. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث لم يلتزم الاحتلال بالجدول الزمني الخاص بإطلاق مفاوضات الجولة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيث ما زال يناور بإرسال وفده إلى العاصمة القطرية الدوحة للاتفاق على شكل المرحلة المقبلة.

وفي أعقاب التلويح الذي أصدرته كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، بتجميد تسليم الدفعة السادسة من الأسرى، الاثنين الماضي، استغل نتنياهو تصريحات ترامب بشأن دعوة الحركة لتسليم جميع الأسرى والجثث لمناقشة عودة الحرب. وشكل تصريح الرئيس الأميركي، أول من أمس السبت، بشأن ترك المشهد للإسرائيليين لاتخاذ القرار في التعامل مع عدم إفراج حماس عن جميع الأسرى الإسرائيليين، ورقة مفتوحة لعودة التصعيد واستئناف الحرب.

في الوقت ذاته، ترى المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية أن هناك حاجة ماسة لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في مرحلته الأولى على الأقل، وعدم التصعيد في الوقت الراهن، تجنباً لخسارة المزيد من الأسرى الإسرائيليين. ومع تسليم الدفعة السادسة من الأسرى الإسرائيليين، السبت الماضي، فإن نتنياهو قرر عدم إدخال ما تعهد به للوسطاء من بيوت متنقلة ومعدات ثقيلة للقطاع، فيما تتركز التسريبات الإسرائيلية في المرحلة الراهنة على إمكانية استكمال الحرب أو طلب تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق بتسليم دفعة أو دفعتين من الأسرى.

في الوقت ذاته، تتمسك المقاومة الفلسطينية، وحركة حماس على وجه الخصوص، بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة كما نص عليه دون أي تعديل، فيما يبدو ترامب ونتنياهو معنيين بإجراء تعديلات على الاتفاق تضمن إعادة كافة الأسرى الإسرائيليين دون الدخول في مرحلة ثانية وثالثة. ويخشى الفلسطينيون في القطاع من عودة الحرب من جديد في ظل التهديدات المتكررة التي يطلقها ترامب ونتنياهو سوياً، وأن تشكل هذه التهديدات أرضية خصبة لدفع جيش الاحتلال للعودة للعمليات العسكرية.

ووفقاً لنص الاتفاق، فإنه من المقرر أن تبدأ الأطراف محادثات المرحلة الثانية بعد مرور 16 يوماً على بدء المرحلة الأولى (بدأ وقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير/كانون الثاني الماضي)، التي تستمر لمدة 42 يوماً. ورغم أن تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة لا تزال غير واضحة تماماً، إلا أن الانتقال إلى المرحلة الثانية مرتبط بنجاح المرحلة الأولى. وبحسب نص الاتفاق النهائي، يُفترض أن تتضمن هذه المرحلة إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء لدى المقاومة، بمن فيهم الرجال دون سن الخمسين والجنود، مقابل انسحاب الاحتلال بشكل كامل من غزة. كما تشمل المرحلة الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتحقيق "هدوء مستدام" بين الأطراف.

سيناريوهات وخيارات

يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني إن المرحلة الثانية تكتسب حساسية خاصة في مسار اتفاق التهدئة، إذ تم تأجيل القضايا الأكثر تعقيداً إلى هذه المرحلة، مع اشتراط استمرار الهدوء في قطاع غزة ما دامت المفاوضات جارية. ويضيف الطناني، لـ "العربي الجديد"، أن هناك مخاوف متزايدة بشأن احتمالية انهيار هذه المرحلة، في ضوء الإشارات السلبية الصادرة عن حكومة الاحتلال، التي كان أبرزها، المناقشات الأمنية التي عقدها نتنياهو بالإضافة إلى تهديدات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بإسقاط الائتلاف الحكومي.

ويوضح أن هذه المخاوف تأتي في ظل التصعيد السياسي الذي عززته تصريحات ترامب، التي دعمت مواقف حكومة الاحتلال وخطط التهجير، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات مظلمة قد تحملها الأيام المقبلة، والتي تزداد مؤشراتها مع استمرار مماطلة حكومة الاحتلال في تنفيذ التزامات المرحلة الأولى، خصوصاً في الجوانب الإنسانية، ما يضع مستقبل التهدئة برمته في مهب الريح. ويشير الطناني إلى أنه ورغم وضوح الخطوط العريضة للمرحلة الثانية، إلا أن التعقيدات المرتبطة بتنفيذها تشكل تحدياً كبيراً، من أبرزها التباين في مواقف الطرفين بشأن الشروط الأساسية، ففي الوقت الذي تُصر فيه حكومة الاحتلال على عدم الانسحاب الكامل من غزة قبل القضاء على القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس، تتمسك الأخيرة بموقفها الرافض لتسليم آخر الأسرى قبل انسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع.

ووفقاً للطناني فإنه تبرز مسألة الحكم المستقبلي لقطاع غزة عقبةً رئيسية، موضحاً أنه وعلى الرغم من إبداء "حماس" استعدادها للتنحي جزئياً مع احتفاظها بمطلب أن يكون أي شكل قادم للحكم يحظى بموافقتها مع القوى السياسية الأخرى، إلا أن الاحتلال يرفض هذا الطرح بشدة، كما يعارض تولي السلطة الفلسطينية حكم القطاع، ما يترك مستقبل غزة في حالة من الغموض. ويعرب عن اعتقاده أن الإشارات المتعلقة بتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بدأت بالظهور مع عكوف نتنياهو على تغيير تشكيلة وفد التفاوض، والاتجاه لتعيين وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر رئيساً للوفد، بدلاً من رئيس الموساد ديفيد برنيع.

لكن الطناني يؤكد أن كل المؤشرات تميل إلى أن إدارة البيت الأبيض ما زالت تتمسك بضرورة إتمام مراحل الصفقة، على قاعدة استكمال عملية إطلاق سراح الأسرى، إلا أن تصريحات ترامب، حول "إفراغ قطاع غزة من سكانه" والتعامل مع أرضه فرصةً استثمارية، عكست محاولة لإعادة إنتاج مفهوم الترانسفير بأسلوب جديد يحمل "لمسة ترامبية". ويبين أن حكومة نتنياهو تبدو في موقع المنسجم تماماً مع خطاب ترامب، الذي شكل سقفاً أعلى مما كانت تطمح إليه يوماً، ومن الواضح أن نتنياهو حريص على تجنب أي نوع من التجاذب مع الإدارة الأميركية، أو إرسال رسائل قد تعتبرها سلبية، خاصة في ظل تمسك البيت الأبيض بالمضي قدماً في إطار ترتيبات شاملة للشرق الأوسط، يتصدرها إنجاز التطبيع مع السعودية، وهو هدف يسعى إليه نتنياهو بشدة منذ سنوات.

إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة حسام الدجني أن هناك توجهاً واضحاً لإفشال المفاوضات من خلال وضع عراقيل أمام تنفيذ الاتفاقات، لا سيما البروتوكول الإنساني، الذي تعهدت إسرائيل مراراً بتنفيذه أمام الوسطاء. ويوضح الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال لم يلتزم بتعهداته، رغم التزام المقاومة بها، حيث أطلقت الأخيرة سراح أسرى إسرائيليين يوم السبت الماضي، إلا أن إسرائيل لم تقابل هذه الخطوة بالمثل، ما يعكس رغبتها في التنصل من الاتفاقات والاستمرار في انتهاكها. ويضيف أن المقاومة بحاجة إلى تصعيد دبلوماسي وإعلامي واسع، عبر التواصل مع الوسطاء والحلفاء، لتسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال وتحميله المسؤولية أمام المجتمع الدولي، قبل اتخاذ أي رد عسكري.

وفي السياق ذاته، يحذّر الدجني من وجود أهداف استراتيجية خفية وراء هذه التحركات، أبرزها تنفيذ خطة ترامب، المدعومة من نتنياهو، والتي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين. ويبين أن سياسات ترامب فتحت شهية اليمين الإسرائيلي المتطرف للمضي قدماً في هذه المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالي غزة. ويشير إلى أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد تكون بحثت آليات تنفيذ هذه الخطة، بما في ذلك استئناف الحرب وسيلةً لترهيب السكان المدنيين ودفعهم نحو الهجرة، مستغلين الدعم العسكري الأميركي المستمر لإسرائيل.