العدد 1436 / 11-11-2020
محمد
المنشاوي - واشنطن
قبل
اربع سنوات أقسم الرئيس دونالد ترامب على حماية الدستور الأميركي؛ لكن يبدو أن
الرجل لا يكترث بدستور أو بتقاليد الدولة الأميركية الراسخة.
وفي
الوقت الذي انتظر فيه ملايين الأميركيين أن يتعهد ترامب بتهنئة منافسه الديمقراطي
جو بايدن، لو تم إعلان فوزه بالانتخابات، متمنيا له الخير والتقدم لأميركا، تعهد
ترامب بتحدي نتيجة الانتخابات أمام المحاكم الأميركية، وطالب بوقف عد أصوات
الناخبين.
لقد
دفعت الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما ارتبط بها من حالة عدم يقين، البعض
للتساؤل والاستغراب كيف لدولة عظمى تقود العالم في أغلب المجالات العلمية
والتكنولوجية والتعليمية والرياضية والفنية، أن تصل لهذا الانحدار السياسي؟.
ووصل
الشك ببعض المفكرين والخبراء لدرجة أن يتوقع كاتب شهير مثل توماس فريدمان أن هناك
تهديدا كبيرا للركيزتين الأساسيتين للديمقراطية الأميركية: الحقيقة والثقة.
إلا
أنني أتصور أن ما يقصده فريدمان، وغيره من المفكرين، يتعلق بواشنطن وآلياتها
وديناميكياتها، ولا يصدق على الولايات المتحدة كدولة ومجتمع كبير يتمتع بالكثير من
الثقة ويقدس الحقيقة كما هي.
وبعيدا
عن فشل واشنطن، نجد هناك نجاحا أميركيا واضحا من خلال وجود مراكز منتشرة في أنحاء
الولايات المتحدة تمثل مراكز صناعة القوة الأميركية الحقيقية، ويسمح النظام
الفدرالي بوجود مراكز مؤثرة خارج العاصمة قادرة على تجاهل واشنطن وديناميكياتها
المريضة ونخبتها الفاسدة، وتقود هذه المراكز قافلة التقدم الأميركي، وتنتشر فى
مختلف أنحاء الولايات المتحدة شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا.
نبع
التشكيك في التجربة الأميركية من الشكوك التي بثها الرئيس الحالي ترامب في نتائج
انتخابات رئاسية حرة يشهد العالم بنزاهتها ومهنية إجرائها.
لكن
من المهم الفصل بين الانقسام والاستقطاب السياسي الذي يتركز في أسوأ صوره في
العاصمة واشنطن، مقر صنع القرار السياسي، والتي تعج بمظاهر فشل تراكمت بصورة غير
مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، وبين نقيض ذلك من النجاحات الكبيرة التي تشهدها بقية
مراكز القوة الأميركية.
نعم
هناك انقسام بين مؤيدي الحزبين الرئيسيين في مختلف الولايات، وتقارب كبير في نسب
الدعم التي يتمتع بها كل حزب؛ إلا أن ذلك لا ينسحب على بقية قطاعات المجتمع في كل
الولايات.
وبعيدا
عن فشل واشنطن، نجد هناك نجاحا أميركيا واضحا من خلال وجود مراكز منتشرة في أنحاء
الولايات المتحدة تمثل مراكز صناعة القوة الأميركية الحقيقية، ويسمح النظام
الفدرالي بوجود مراكز مؤثرة خارج العاصمة قادرة على تجاهل واشنطن وديناميكياتها
المريضة ونخبتها الفاسدة، وتقود هذه المراكز قافلة التقدم الأميركي، وتنتشر فى
مختلف أنحاء الولايات المتحدة شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا.
فمدينة
بوسطن فى الشمال الشرقي تعد المركز الأهم لحركة الأكاديمية العالمية بوجود جامعات
كبرى بها أو حولها مثل هارفارد وييل ومعهد ماساشوستس للتقنية، وعشرات غيرهم.
وجنوبا من بوسطن تقع مدينة نيويورك، درة التاج الأميركي بما تحتضنه من مركز التحكم
المالي العالمي الأهم في "وول ستريت"، ناهيك عن كونها عاصمة النشر
والطباعة العالمية، وعاصمة الموضة والابتكارات الاستهلاكية.
وإذا
تركنا الشرق الأميركي واتجهنا لمركز هيوستن بولاية تكساس، فسنجد عاصمة قطاع الطاقة
العالمية، والمركز الأهم لوجود شركات البترول والغاز الأميركية وغير الأميركية،
وتعد هيوستن كذلك المركز الأهم لعلاج وأبحاث أمراض السرطان، وفى أقصى شمال الوسط
يقع مركز شيكاغو، الذي خرجت منه إمبراطورية مطاعم "ماكدونالدز"
(McDonald's ) وطائرات
"بوينغ" (Boeing) وغيرهما.
تنافس
الولايات المتحدة أمة أخرى في مجال توفير الفرص الإبداعية من مواطنيها القادرين
والمرموقين، وقد أسس رجال أميركيون أغنياء أعظم جامعات العالم ومؤسساته الفكرية
والعلمية هارفارد، ستانفورد، ييل، جونز هابكينز، راند، فورد، روكفلير، فولبرايت،
كارنيغي.
وفي
أقصى الشمال الغربي يقع مركز سياتل الذي يضم عدة إمبراطوريات تكنولوجية مثل
"مايكروسوفت" (Microsoft) و"سيسكو سيستمز"
(Cisco Systems) و"أمازون" (Amazon)، وفي الجنوب الغربي يقع مركز سان فرانسيسكو
الذي يحتضن الشركات الكبرى التي تُخرج لنا الاختراعات الجديدة فى مجال التكنولوجيا
المتطورة، ومنها على سبيل المثال شركات "غوغل" (Google)، و"آبل" (Apple) و"إي باي"
(eBay) و"إنتل"
(Intel) و"ياهو"
(Yahoo) و"فيسبوك"
(Facebook) و"تويتر" (Twitter)، وتحدد هذه الشركات السلوك البشري فيما
يتعلق بكيفية قضاء الشخص وقته مع أدواته التكنولوجية، وطبيعة هذه الأدوات المتغيرة
والمتجددة.
وفى
أقصى الجنوب الغربي تقع لوس أنجلوس، عاصمة الإبداع المرئي الأهم المتحكم في صناعة
السينما والتلفزيون حول العالم بوجود الفنانين والكتاب وصناع الأفلام والممثلين
الأهم فى العالم.
من
جهة أخرى، لا تنافس الولايات المتحدة أمة أخرى في مجال توفير الفرص الإبداعية من
مواطنيها القادرين والمرموقين، وقد أسس رجال أميركيون أغنياء أعظم جامعات العالم
ومؤسساته الفكرية والعلمية هارفارد، ستانفورد، ييل، جونز هابكينز، راند، فورد،
روكفلير، فولبرايت، كارنيغي. أما بيل غيتس، فقد تبرع بأكثر من 24 مليار دولار
لصالح أبحاث الإيدز فقط، ويوجد بالولايات المتحدة أفضل المستشفيات في العالم
كليفلاند، جونز هابكينز، ماي كلينيك. وبجانب ذلك توفر الولايات المتحدة أكثر من
50% من الإنتاج الثقافي العالمي (كتب، مجلات، جرائد، أفلام، مطبوعات، أبحاث
علمية). كما ينتظر العالم بلهفة توصل المعامل الأميركية الموثوق فيها للقاح تواجه
من خلاله البشرية فيروس كوفيد-19.
أما
في مجال العلوم والآداب، فمجموع ما حصل عليه الأميركيون من جائزة نوبل منذ أن بدأت
عام 1901 يبلغ 326 جائزة أو 40% من إجمالي كل جوائز نوبل، إذ حصلت على 63 في
الكيمياء، و22 جائزة في السلام و12 جائزة في الأدب و47 في الاقتصاد و88 في
الفيزياء و94 في الطب.
لا
ينفي ما سبق من عرض لمظاهر القوة الأميركية وجود حالة استقطاب سياسي، وانقسام
مجتمعي حاد خارج واشنطن حول كل القضايا الداخلية؛ مثل الرعاية الصحية والحقوق
الشخصية ودور الدين وحق حمل السلاح، وغيرها الكثير.
إلا
أن هذه الانقسامات تبقى بعيدة عن عرقلة المسيرة الأميركية؛ بسبب وضوح قواعد اللعبة
السياسية، وصرامتها من خلال تقديس الدستور، الذي وضع معادلات مناسبة للحالة
الأميركية يدرك الجميع أ الانقلاب عليها كفيل بهدم المعبد الأميركي على رؤوس
الجميع.