العدد 1586 /1-11-2023
علي أنوزلا
لإسرائيل والأنظمة الغربية التي تدعمها ألف سببٍ
للاستمرار في حربها الإجرامية ضد غزّة وسكانها المدنيين حتى تحقيق انتصار، حتى لو
كان رمزياً، وإلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية والقضاء على الحركات والفصائل
التي تقودها وتصفية رموزها. لكن إسرائيل وحلفاءها الغربيين ليسوا هم فقط من
يتمنّون هزيمة المقاومة وسحقها، إذ هناك أكثر من نظام عربي يصلّي، في الخفاء، ليل
نهار لتتحقّق هذه الهزيمة في أقرب وقت. إنها تعيش، منذ بدء عملية طوفان الأقصى،
على أعصابها وهي تنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تستيقظ فيه وتجد أن حركات المقاومة
الفلسطينية، وخصوصاً رأسها الضارب "حماس" قد سُحقَت نهائياً!
بعض أسباب هذا الحقد العربي الرسمي على حركة
المقاومة الفلسطينية، نقرأه في مقال كتبه المبعوث الأميركي الأسبق إلى الشرق
الأوسط، دينيس روس، في صحيفة نيويورك تايمز، ونقل فيه ما سمعه من مسؤولين عرب في
مختلف أنحاء المنطقة، قال إنه يعرفهم منذ فترة طويلة، وتحدثوا إليه على انفراد،
ونقل عن أحدهم، من دون أن يذكر اسمه، قوله له: "لا بد من تدمير حماس في
غزّة"، قبل أن يوضح له أن انتصار حركة حماس "سيُضفي الشرعية على
أيديولوجية الرفض التي تتبنّاها الجماعة، ويعطي النفوذ والزخم لإيران والمتعاونين
معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي". وأضاف روس، الذي يوصي في مقاله بالقضاء
على "حماس" وكل المقاومة الفلسطينية، مهما كلف الثمن من المدنيين
الفلسطينيين، بل وحتى من عناصر الجيش الإسرائيلي، إن قلّة من الدول العربية، من
بينها حتى التي تتمنى سحق المقاومة، دانت هجوم "حماس" على إسرائيل، وفي
المقابل سارعت إلى إدانة إسرائيل بعد مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة،
حيث اضطرّت الإمارات، مثلاً، التي دانت هجوم "حماس" إلى إصدار بيان تدين
فيه الهجوم الإسرائيلي على المستشفى، لتلبية "مزاج الشارع" العربي، كما
يقول روس الذي يعتبر أن تصرّف الأنظمة العربية يفسّره خوفها من غضب شعوبها. ولذلك
هي مضطرّة، حسبه، إلى أن تظهر أمام مواطنيها أنها تدافع عن الفلسطينيين، حتى لو
على مستوى الخطاب فقط!
أسباب هذا الخوف العربي الرسمي من انتصار المقاومة
الفلسطينية عديدة. لكن لنقف قبل ذلك عند ما نعنيه بانتصار المقاومة الفلسطينية،
فبالنسبة إلى دبلوماسي أميركي مخضرم، مثل روس، سيُعتبر مجرّد وقف إطلاق النار
انتصاراً لحماس، وهو الأمر الذي عبّر عنه رئيس حكومة الحرب في إسرائيل، نتنياهو،
الذي قال إن وقف إطلاق النار يعني الاستسلام لـ"حماس". وبالفعل، حققت
المقاومة الفلسطينية أكبر انتصار تاريخي لها صبيحة يوم 7 أكتوبر (الشهر الماضي)،
وبمجرّد انتهاء هذا السُّعار الجنوني لقادة الحرب في إسرائيل دون الحصول على صورة
انتصار، ولو رمزية تعيد للجيش الإسرائيلي الهيبة التي فقدها، سيكون انتصاراً آخر
كبيراً يُضاف إلى ما حققته المقاومة من صمود بطولي في سجلّ انتصاراتها.
ولا حاجة هنا إلى التذكير بأن الخوف من غضب الشارع
العربي المتعاطف والمساند للمقاومة الفلسطينية هو الذي دفع أنظمة دكتاتورية
وبوليسية عربية إلى السماح، مرغمة لا بطلة، بخروج مظاهراتٍ في شوارع مدنها وقراها
لتنفيس حالة الغضب والاحتقان حتى لا ينقلب ضدّها، فأغلب هذه الأنظمة تعيش اليوم
على أعصابها، وهي تراقب فوران الشارع كي لا يخرُج عن السيطرة، وهو ما يفسّر حالة
الارتباك الذي يطبع تصرّفاتها عندما تتغاضى عن مظاهرات عفوية مؤيدة للمقاومة تخرج
دون إذنها، وفي الوقت نفسه، تصادر كوفية أو علماً فلسطينياً حتى لا يُرفع في
تظاهرة رياضية عالمية، كما حدث أخيراً في الإمارات وفي المغرب، عندما صادرت الشرطة
في البلدين كل "رموز" المقاومة الفلسطينية من مشجّعين رياضيين، تماماً
كما يحدُث اليوم في دولٍ مثل ألمانيا وفرنسا مصابة برهاب الإسلاموفوبيا.
وعلى الرغم من كل محاولات احتواء الشارع العربي
الغاضب، إلا أن ذلك لا يمنع من تسجيل حقيقة واضحة، هي عودة القضية الفلسطينية إلى
صدارة القضايا العربية، باعتبارها القضية القادرة على توحيد (وتعبئة) الشعوب
العربية من المحيط إلى الخليج، وهذا ما يزرع مزيداً من الخوف والتوجّس في أجهزة
الأنظمة العربية، وخصوصاً المطبّعة. فما يخيف هذه الأنظمة من انتصار المقاومة الفلسطينية،
مرجعيتها الإسلامية التي تستمد منها قوّتها وشرعيتها، لأن في ذلك إشارة إلى أن هذه
المرجعية، التي سعت الثورات المضادّة للقضاء على التعبيرات السياسية التي تستمد
شرعيّتها منها داخل دولها، ما زالت هي المرجعية الوحيدة القادرة على تعبئة
الجماهير في الشارع العربي، وأن مشروعها لم يفشل، وإنما تجارب تطبيقه هي التي
فشلت. يضاف إلى ذلك أن خطاب المعارضة ورفض الأمر الواقع الذي تقوم عليه فلسفة
المقاومة، سيجد له صدىً عند المعارضات العربية داخل بلدانها، فهو قد نجح في إسقاط
جدار الخوف الذي فرضته الثورات المضادّة، ما يفسّر عودة المظاهرات الشعبية الكبيرة
إلى الشارع، والدرس الذي سيبقى من انتصار المقاومة هو الذي يُعلِّم الشعوب أن
إرادتها أقوى عندما تريد أن تُسمع رأيها.
الأكيد أن ما بعد الحرب الحالية على غزّة وأهلها
لن يكون كما قبلها، فإمّا أن تنتصر المقاومة ويحرّر انتصارها الشعوب العربية التي
تساندها، وإما أن تُترك المقاومة تواجه مصيرها بنفسها وحدها، وسيأتي اليوم الذي
يتذكر فيه كل شعب عربي على حدة مقولة "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض"، لكن
الوقت آنذاك سيكون قد فات، الوقت اليوم هو لدعم المقاومة، لأن انتصارها سيعني انتصار
الشعوب التي تُناصرها.