العدد 1678 /27-8-2025

جعفر العلوني

"ليس الغياب ما نراه. إنه ما نختار أن نلاحظه" بهذه الكلمات تُلخّص الشاعرة البريطانية أليس أوزوالد رؤيتها للعالَم: الشعر ليس وصفاً لما هو عابر. إنه انتباه لما يُراد أن يُمحى. هي رؤيةٌ، يبدو أنّها تحوّلت في التاسع من الشهر الجاري، من نصّ شعري إلى فعل مباشر، حين اعتُقلت أوزوالد أمام البرلمان البريطاني خلال تظاهرة سلمية لدعم حركة Palestine Action، التي أُدرجت مؤخراً على لائحة المنظمات المحظورة بموجب قانون الإرهاب في بريطانيا.

الشاعرة البالغة من العمر 58 عاماً، والحائزة على جوائز أدبية مرموقة مثل T. S. EliotوGriffin Poetry Prize، كانت تحمل حين اعتقلت لافتة كُتب عليها: "أعارض الإبادة الجماعية وأدعم أكشن فلسطين".

عن لحظة اعتقالها، قالت الشاعرة البريطانية: "كان بعض عناصر الشرطة يعانون فعلاً من القيام بما طُلب منهم. رأيت الارتباك في وجوههم. قلتُ لهم في السيارة: اكتبوا إلى وزيرة الداخلية، وأخبروها أن هذا يجعل حياتكم مستحيلة". كلمات تكشف توتراً بين القانون والضمير، وتوضّح أن احتجاجها لم يكن ضدّ الشرطة كأفراد، بل ضدّ السياسات التي تحاصر العدالة والحرية.

بعد الإفراج عنها، أوضحت الشاعرة أنّ مشاركتها ليست مجرّد موقف سياسي. وهي امتدادٌ لتجربة شخصية عميقة، إذ تعطي دروساً شعرية عبر الإنترنت لأطفال وشباب في غزة، وتعايش يومياً معاناتهم.

اعتقلت وهي تحمل لافتة "أعارض الإبادة الجماعية"

وُلدت أوزوالد عام 1966، ودرست الكلاسيكيات في أكسفورد قبل أن تعمل في البستنة، وهو ما انعكس بوضوح في حضور الطبيعة في قصائدها. منذ مجموعتها الأولى "الشيء في فجوة صخرة ستايل" (1996) التي نالت جائزة فوروورد Forward Prize، بدا واضحاً ميلها إلى المزج بين التراث والأسطورة والبيئة اليومية.

في "دارت" (2002) — العمل الذي نالت عنه جائزة تي. إس. إليوت— قدّمت نصاً ملحمياً يستلهم نهر دارت في جنوب إنكلترا، جامعاً أصوات البشر والحيوانات والطبيعة في قصيدة واحدة. أما في "تذكار" (2011)، فقد أعادت قراءة الملحمة الهوميرية من منظور مختلف، مركزّة على الجنود المجهولين والغياب أكثر من البطولات، في نص وُصف بأنه "حفْر شعري في الملحمة".

واصلت في أعمال أخرى مثل "غابات"، و"أعشاب ضارة وأزهار برّية"، و"سقوط في اليقظة"؛ الذي نال جائزة غريفين، و"لا أحد" المسار نفسه، حيث التقى في قصائدها الأسطوري باليومي، وتجاورت الطبيعة مع أسئلة الوجود والذاكرة. وهي بذلك تُبرز قدرة الشعر على إعادة الإنصات لما يُطمس أو يُهمّش، تماماً كما فعلت في وقوفها الأخير أمام البرلمان.

غير أنّ أوزوالد لم تكن وحدها؛ فقد سبقتها الروائية الأيرلندية سالي روني في إعلان دعمها العلني لـ Palestine Action، مؤكّدة أنّ العصيان المدني السلمي هو الوسيلة الأخيرة لوقف الإبادة. وهكذا يلتقي صوتان أدبيان من بريطانيا وأيرلندا ليؤسّسا، مع غيرهما من المثقفين الذين رفضوا السكوت، مشهداً ثقافياً يرى في الكلمة موقفاً، وفي الفعل مسؤولية أخلاقية.