محمد أبو رمان
العلاقات السعودية-المصرية تمرّ بأزمة حقيقية. وعلى الرغم من محاولة إخفاء تلك الخلافات من خلال التصريحات الدبلوماسية، ومحاولات أخرى ووساطات عربية لرأب الصدع بين الدولتين، فإنّ المسافة الفاصلة بينهما تتسع والشكوك تزداد، ما قد يفسّر التسريبات والتقارير التي تتحدث عن فشل عقد قمة بين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخراً.
المقاربة السورية هي أحد عناوين الخلاف بين الطرفين. فالرئيس السيسي يؤيد بشار الأسد، ويدعم جيشه في مواجهة المعارضة المسلحة. وموقف السيسي كان معروفاً ومفهوماً لدى السعوديين منذ اليوم الأول لوصوله إلى سدّة السلطة في مصر، وهو موقف مفهوم أيضاً ضمن الأجندة السياسية التي حملته؛ فهو ضد الثورات الشعبية، ومع الجيش، وضد الإسلاميين، وضد الأتراك؛ إذاً من الطبيعي أن يصطف مع الأسد.
الجديد في موقف مصر، والأزمة السعودية-المصرية، هو اتخاذ خطوات أكثر وضوحاً وصراحة في تأييد الأسد ودعمه، وتعزيز التفاهم مع الروس (الداعم الدولي للرئيس للأسد)، سواء كانت تلك الخطوات على صعيد دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، أو حتى على صعيد عسكري، وهو الأمر المفاجئ أكثر للسعوديين.
وعلى الرغم من النفي المصري للتقارير السورية التي تتحدث عن تعاون عسكري ما بين النظامين، ومنها مشاركة الطيارين العسكريين المصريين في العمليات الحالية في سورية؛ فإنّ التفاصيل التي تقدّمها التسريبات الإعلامية السورية والإيرانية تعزز فرضية الانتقال من التأييد السياسي إلى التعاون الفعلي بينهما.
آخر تلك التسريبات تقرير نُشر منذ أيام في صحيفة «الأخبار» اللبنانية، يؤكد وجود 200 ضابط وعسكري مصري في سورية، محدّداً أماكن وجودهم في القواعد العسكرية، لمتابعة كيفية مواجهة السوريين والروس والإيرانيين للجماعات الجهادية، والإفادة من هذه الخبرة في «الحرب على الإرهاب» في سيناء.
السعودية تلتقط الرسائل المصرية من زاويتين: الأولى هي النزعة المصرية التي ترفض تسليم قيادة النظام العربي للسعوديين، والانقياد لهم في تعريف السياسة الخارجية. وكما هو معروف، هناك جدلية تاريخية في قيادة النظام الرسمي العربي بين الدولتين (بالطبع عندما كان هناك نظام؛ ولا أعرف اليوم ما إذا كان بإمكاننا تسميته بالنظام الإقليمي العربي!). أمّا الزاوية الثانية، فهي محاولة دفع السعودية لتقديم دعم مالي أكبر لمصر التي تعاني أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
صحيح أنّ السعودية ومعها المعسكر المحافظ العربي، لعبا دوراً أساسياً وحيوياً في إنجاح السيسي والجيش في إسقاط نظام الإخوان المسلمين، ووقف المسار الديمقراطي الثوري في مصر، وترميم النظام السابق، إلا أنّ التحولات بدأت لدى السعودية مع الملك سلمان بن عبد العزيز والنخبة الجديدة، الذين أعادوا النظر في المقاربة العربية تجاه المتغيرات القائمة، وأعادوا هيكلة العلاقة مع تركيا، وتعريف مصادر التهديد والخطر، بوضع إيران (مرة أخرى) في المرتبة الأولى، بدلاً من المحور «التركي-القطري». وهي الاستدارة التي لم ترق لمصر علناً، ولباقي الحلفاء ضمناً!
المشكلة اليوم أنّ تركيا هي الأخرى في ورطة، وتعيد تصميم مقارباتها الإقليمية. والأمور في سورية والعراق تفلت لصالح المحور الإيراني-الروسي (والنظام السوري بالتبعية)، بينما الحرب في اليمن لم تؤدّ إلى نتائج حاسمة لصالح التحالف العربي الذي تقوده السعودية. ثم تظهر الخلافات مع مصر، والتباينات في البيت الداخلي الخليجي (عُمان تأخذ مساراً مستقلاً، والخلافات الكبرى القطرية الإماراتية، والمشكلات المالية والاقتصادية المتنامية في السعودية). والمعارضة السورية تشعر بخيبة أمل (تسريبات ميشيل كيلو الأخيرة بمثابة مؤشر جلي على ذلك). كل هذه وتلك تكشف حجم الانهيار في النظام العربي، وتفسّر التفوق الإيراني-الروسي الأخير. كما تكشف عن وجود «أزمة رؤية» جوهرية لدى الأنظمة العربية في التعامل مع التغييرات الجذرية المحيطة.