العدد 1637 /6-11-2024
عمر كوش
دعا الاتحاد الدولي للصحفيين، دولَ العالم إلى تحمّل مسؤوليتها عن عمليات
الاغتيال التي استهدفت الصحفيين، وخاصة في فلسطين، ولبنان، وإسرائيل، وسوريا.
واتهم الاتحاد إسرائيل بانتهاكها قرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة القرار رقم
2222 الصادر في عام 2015، والقرار 1738 الصادر في 2006 اللذين يدينان الهجمات على
الصحفيين وسائر العاملين في مجال الإعلام في حالات النزاع المسلح، ووضعا مسألة
حماية الصحفيين والعاملين في مجال الصحافة والطواقم المساعدة ضمن القانون الدولي
الإنساني، حسبما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة.
كما ندد الاتحاد الدولي للصحفيين بشكل خاص بالموقف الإسرائيلي تجاه الصحافة
واستهدافها المتكرر للإعلاميين منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي تشنها منذ
أكثر من عام على الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي وسعتها لتطال عناصر وقادة
"حزب الله" اللبناني، وأماكن تواجدهم في كافة المناطق اللبنانية.
المؤسف، والمحزن أيضًا، هو أن عامًا آخر يمضي دون أن يُعاقب ساسة إسرائيل
وجنرالاتها على اغتيالاتهم واستهدافهم الصحفيين، فضلًا عن استهدافهم المدنيين
العزل في فلسطين ولبنان وسوريا، وغيرها، بالرغم من أن الصحفيين يتمتعون بالحماية
خلال الحروب والنزاعات المسلحة، بحسب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية
جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها، ما يعني أنه يتوجب على الدول
حمايتهم من الهجمات المباشرة مثل باقي المدنيين.
وقد بذل مشرعون وحقوقيون دوليون جهودًا كبيرة، وعلى مدى عقود عديدة، من أجل
وضع قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء الحروب والنزاعات، التي تحمي المدنيين
بشكل عام، لكن معظم الدول لم تلتزم بذلك، الأمر الذي دفع الجمعية العامة للأمم
المتحدة، في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2014، إلى جعل الثاني من
نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يومًا دوليًا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم
المرتكبة ضد الصحفيين.
يبدو أن إفلات إسرائيل من العقاب بات أمرًا واقعًا، بالنظر إلى الحماية
والإسناد اللذين تتلقاهما من طرف قادة الولايات المتحدة، ومعهم معظم قادة الدول
الأوروبية وأترابهم.
ومنذ بدء حربها، عملت إسرائيل ما بوسعها لكي تطمس الحقيقة وتخفي جرائمها
الوحشية، فتعمدت إسكات الأصوات التي تنقل حقيقة ما تقوم به في قطاع غزة، من خلال
الاستهداف المتعمد للصحفيين والإعلاميين.
وقد دفعها الإفلات من العقاب إلى التمادي في استهداف الإعلاميين، حيث تشير
تقارير لجنة حماية الصحفيين إلى أن إسرائيل قتلت حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول
الماضي، ما لا يقل عن 180 صحفيًا وعاملًا في وسائل الإعلام في قطاع غزة والضفة
الغربية ولبنان منذ بدء حربها على غزة، الأمر الذي يجعل هذه الفترة الأكثر دموية
للصحفيين منذ أن بدأت اللجنة بجمع البيانات والإحصائيات في عام 1992.
ووصل التمادي الإسرائيلي إلى درجة الاستهداف المباشر للصحفيين، حيث قصفت
المقاتلات الإسرائيلية في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقرًا في بلدة حاصبيا
بالجنوب اللبناني، كان يشغله 18 صحفيًا من سبع مؤسسات إعلامية مختلفة، محلية
وعربية، وأدى إلى قتل ثلاثة منهم وجرح ثلاثة آخرين.
ليس جديدًا على إسرائيل استهداف الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام العربية
والعالمية، فسجلها متخم بجرائم عديدة ضد الصحفيين، ووثقتها كافة المنظمات والهيئات
الدولية المعنية، لكن لا أحد أخضع هذه الدولة للمحاسبة والمعاقبة على جرائمها،
وبات العالم شبه عاجز أمام دولة مارقة ترتكب كل الفظائع والمجازر، وتنتهك كافة
المواثيق والقوانين الدولية.
والمشكلة هي أن المجتمع الدولي يجد نفسه مكتوف اليدين حيال جرائم إسرائيل ضد
الصحفيين؛ بسبب تعطيل آليات معاقبة إسرائيل على جرائمها، وعدم التمكن من اعتماد
اتفاقية ملزمة للأمم المتحدة تضمن سلامة واستقلال الصحفيين وغيرهم من العاملين في
وسائل الإعلام.
وبالتالي سيكتفي ممثلو الاتحاد الدولي للصحفيين واتحادات الصحفيين الأخرى
بالتنديد والاستنكار خلال مشاركتهم في الاحتفال الذي تقيمه الأمم المتحدة بمناسبة
اليوم العالمي للإفلات من العقاب، المزمع إقامته يومي 6 و7 نوفمبر/ تشرين الثاني
2024 في أديس أبابا، بينما ستبقى مشكلة إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم
المرتكبة ضد الصحفيين ماثلة أمام أنظار ساسة العالم وقادته، بوصفها أحد أهم
التحديات وأكثرها تعقيدًا في النظام الدولي للعالم الراهن، وذلك على الرغم من أن
حلها يمثل الشرط الأساسي لضمان حرية التعبير، وضمان حصول جميع أفراد المجتمعات
البشرية على المعلومات.
واضح أن التنديد والاستنكار لجرائم إسرائيل ضد الصحفيين والمدنيين لن يردعاها
عن استمرارها في ارتكاب المزيد من جرائم القتل والاغتيالات بحقهم. وكذلك لن تجدي
نفعًا الشكاوى التي تقدمت بها المنظمات الدولية للأمم المتحدة، إذ سبق أن تقدمت
منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية بثلاث شكاوى بشأن جرائم إسرائيل ضد
صحفيين فلسطينيين في قطاع غزة، وطالبت المنظمة بإجراء تحقيق من طرف المدعي العام
للمحكمة الجنائية الدولية، نظرًا لأن حجم الجرائم الإسرائيلية التي تستهدف
الصحفيين وخطورتها وطبيعتها المتكررة يندرج ضمن إطار جرائم الحرب.
لكن المحكمة لم تحرك ساكنًا إلى اليوم، بل ولم تصدر بعد مذكرة الاعتقال التي
طالب بها مدعيها العام كريم خان بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
ووزير الدفاع يوآف غالانت، وذلك بسبب الضغوط الشديدة التي يتعرض لها قضاة المحكمة
من قبل إسرائيل وحلفائها في الولايات المتحدة والدول الغربية.
بات السؤال يُطرح بقوة حول حيثيات تمادي إسرائيل في الاستمرار في سياستها،
وذلك بعد تواتر استهدافها للصحفيين، فلم تتوقف عن استهداف الصحفيين وعائلاتهم،
وقصف منازلهم ومقار عملهم، بل تطلق التهديدات وتقوم باعتقالات تطالهم في غزة
والضفة الغربية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل ما تزال إسرائيل تفرض قيودًا على ما تنشره
وسائل الإعلام الغربية بشكل عام، وتشترط خضوعها لرقابتها قبل نشر أي صورة أو خبر
عن وقائع حربها على الفلسطينيين، فضلًا عن عدم سماحها بدخول الصحفيين الأجانب إلى
قطاع غزة، ومنعهم من تغطية وقائع وأحداث حرب الإبادة التي تشنها هناك، إضافة إلى
منعهم من كشف ممارساتها وأفعالها في الضفة الغربية.
لا شك في أن ساسة إسرائيل سيمضون في سياساتهم باستهداف العاملين في مجال
الإعلام، ما دامت المحكمة الجنائية الدولية، أو سواها من المنظمات الأممية ذات
الصلة، لم تتحرك للتحقيق في جرائم إسرائيل. حيث يكشف واقع الحال أن استمرار
إفلاتها من العقاب جعلها تتمادى في ارتكاب جرائمها.
ولعل عدم خضوعها لأي محاسبة أو معاقبة على جريمة قتلها مراسلة قناة الجزيرة
شيرين أبو عاقلة وغيرها من الصحفيين، يقدم دليلًا على أنها تتصرف وكأنها فوق
القانون الدولي والإنساني، فالقتل بات عنوانًا لنهجها وممارساتها.
والمثير للسخرية والاستهجان هو الانحياز الأعمى من معظم وسائل الإعلام الغربية
لإسرائيل في حربها على غزة، وتبنيها الكامل للرواية الإسرائيلية، دون تدقيق أو
تمحيص، الأمر الذي أفقدها استقلاليتها وحياديتها المهنية.
لم تردع القرارات الدولية إسرائيل عن استهداف العاملين في وسائل الإعلام،
لتبقى قضيتهم حيّة في الضمير الإنساني، ومعلقة في رسم المجتمع الدولي، فهل ستتحرك
حكوماته ومؤسساته كي لا تذهب هباء تضحيات الصحفيين الذين قتلوا أو قتل أفراد
عائلاتِهم وذويهم أو جرحوا أو دمرت أماكن سكنهم وعيشهم؟ وإلى متى ستستمر دول الغرب
في حماية إسرائيل، ومنع محاسبتها ومعاقبتها على جرائمها بحق الصحفيين والمدنيين؟