العدد 1695 /24-12-2025

شكّل إلغاء قانون قيصر محطة مفصلية في المشهد الاقتصادي في سورية، ولا سيما ما يخص قطاع المصارف والتحويلات المالية الذي كان من أكثر القطاعات تضرراً بفعل العقوبات الغربية المشددة.

وكان القانون قد فُرض على سورية عام 2020، ودخل حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران من العام نفسه، ما أدى إلى عزل شبه كامل للقطاع المالي السوري عن النظام المصرفي العالمي، وتعقيد عمليات التحويل والتجارة الخارجية، ودفع شريحة واسعة من السوريين في الداخل والخارج إلى الاعتماد على قنوات غير رسمية لنقل الأموال.

ومع إعلان إلغاء القانون، تتزايد التساؤلات حول حجم التأثير الفعلي لهذا التحول، وحدود الانفتاح الممكنة، وقدرة القطاع المالي على استثمار هذه الفرصة في ظل تحديات بنيوية متراكمة، تتعلق بضعف الثقة، وهشاشة البنية المصرفية، واستمرار القيود النقدية.

في هذا السياق، قال حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، في منشور له إن إلغاء قانون قيصر يشكّل خطوة بالغة الأهمية على صعيد تخفيف الضغوط التي واجهها الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية، ويفتح المجال أمام إعادة تنشيط القطاع المصرفي وتحسين بيئة العمل المالي والنقدي.

وأوضح أن القانون كان أحد أبرز العوائق أمام انفتاح المصارف السورية على النظام المالي العالمي، إذ قيّد حركة التحويلات الخارجية، وأضعف قدرة البنوك على إقامة علاقات مراسلة مصرفية، ما دفع شريحة واسعة من المتعاملين للجوء إلى القنوات غير الرسمية.

من جهته، قال المدير التنفيذي لشركة الصافي للصيرفة، صالح الهاشم، إن إلغاء قانون قيصر شكّل نقطة تحوّل مهمة في عمل شركات الصيرفة والتحويلات المالية، وأسهم بشكل مباشر في تنشيط حركة الحوالات وتقليص الاعتماد على السوق السوداء.

وأوضح الهاشم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "الشركات التي حصلت على تراخيصها بعد مرحلة التحرير تمتلك اليوم ميزات تنظيمية وتشغيلية أكبر مقارنة بالشركات التي كانت تعمل في ظروف سابقة، سواء من حيث المرونة الإدارية أو آليات الامتثال أو سرعة تنفيذ الحوالات"، مشيراً إلى أن هذه العوامل انعكست إيجاباً على ثقة المتعاملين.

وأضاف أن "حجم الحوالات المالية شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بنسبة وصلت إلى نحو 300%، وهو مؤشر واضح على عودة جزء كبير من التدفقات المالية إلى القنوات النظامية، بعد سنوات من الاعتماد على طرق غير رسمية بسبب العقوبات والتقييدات المصرفية".

وحول التأثير المباشر لإلغاء القانون، أكد الهاشم أن "القرار كان له تأثير كبير على قطاع الصيرفة، إذ ساهم في تخفيف المخاوف لدى المتعاملين في الخارج، وفتح المجال أمام توسيع شبكة الحوالات لتشمل معظم الدول العربية والأجنبية، سواء عبر التحويلات البنكية أو من خلال التسلّم الفوري باليد".

بدوره، يرى عميد كلية الاقتصاد، علي كنعان، أن إلغاء قانون قيصر "يوفر فرصة مهمة للقطاع المالي في سورية، لكنه لا يشكل حلاً سحرياً للأزمة الاقتصادية"، موضحاً لـ "العربي الجديد" أن التأثير الإيجابي الحقيقي يتوقف على قدرة المؤسسات المصرفية على تنفيذ إصلاحات داخلية حقيقية، وتحسين مستويات الشفافية والحوكمة.

ويشير كنعان إلى أن عودة الحوالات عبر القنوات الرسمية يمكن أن تخفف الضغط على سعر الصرف، لكنها لن تؤدي بالضرورة إلى استقرار دائم ما لم تُرفق بسياسات نقدية منسجمة، وضبط حقيقي للإنفاق، وإصلاح بيئة الاستثمار.

في المقابل، يحذّر الأكاديمي الاقتصادي كريم الشعار، من المبالغة في الرهان على إلغاء قيصر، معتبراً أن العقوبات كانت عاملاً مهماً، لكنها ليست السبب الوحيد لأزمة القطاع المالي في سورية.

ويضيف أن "المصارف الأجنبية لا تزال شديدة الحذر في التعامل مع سورية، حتى مع تخفيف أو إلغاء بعض القيود، بسبب أخطار الامتثال وضعف الثقة المؤسسي"، لافتاً إلى أن "التحسن في قطاع الحوالات قد يكون سريعاً نسبياً، لكنه هشّ وقابل للتراجع إذا لم يتم تحصينه بإصلاحات قانونية ومصرفية عميقة".

ويرى الشعار أن السوق السوداء لن تختفي بالكامل ما لم يشعر المتعامل أن القنوات الرسمية أكثر أماناً وأقل كلفة وأكثر استقراراً، وهو ما يتطلب وقتاً وإرادة إصلاحية واضحة.