العدد 1635 /23-10-2024

أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الأحد، عن ارتفاع حصيلة مجزرة مشروع بيت لاهيا شماليّ القطاع إلى 87 شهيداً ومفقوداً تحت الأنقاض وأكثر من 40 مصاباً بينهم حالات حرجة للغاية، في وقت نددت فيه الأمم المتحدة بهذه الغارات. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكب مجرزة مروعة في وقت متأخر من مساء السبت، بعد قصفه حياً سكنياً بمنطقة مشروع بيت لاهيا.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن طيران الاحتلال قصف مربعاً سكنياً في منطقة مشروع بيت لاهيا فيما أشارت مصادر محلية إلى أن القصف دمر بشكل كامل عدداً من المنازل القريبة من بعضها، على رؤوس ساكنيها. ولا تزال أعمال البحث جارية عن عدد من المفقودين تحت أنقاض المنازل المدمرة بفعل القصف العنيف.

وأفاد الدفاع المدني بانتشال عدد كبير من الشهداء والمصابين جراء استهداف الاحتلال مربعاً سكنياً يضم عائلات الشريف والدريوي وعبيد والهندي والكحلوت في مشروع بيت لاهيا، مشيراً إلى أن عدد من الشهداء لا يزال تحت الأنقاض.

ومنذ أكثر من أسبوعين يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات إبادة وحشية في شمال قطاع غزة تطبيقا لما تعرف باسم "خطة الجنرالات" التي تهدف إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة كلياً وتنفيذ حملة تطهير عرقي تطاول مئات الآلاف من المدنيين الذي تمسكوا بالبقاء في منازلهم رغم حملة القصف الدموي التي استهدفتهم على مدار أيام الحرب المستمرة منذ أكثر من عام. وتأتي المجزرة بعد أقل من 24 ساعة على مجزرة أخرى ارتكبها طيران الاحتلال في جباليا حيث قصف بصورة عنيفة عدة منازل ما أسفر عن استشهاد 33 فلسطينياً بينهم أكثر من 20 امرأة وطفلاً.

من جانبه، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن "فحصاً أولياً أجراه أظهر أن الأرقام التي نشرها المكتب الإعلام الحكومي في غزة مبالغ فيها ولا تتوافق مع المعلومات التي يحتفظ بها الجيش"، قائلاً إنه "يستخدم ذخائر دقيقة وموجهة"، وهو ما تنفيه المقاطع المصورة التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وأظهرت أعداد الشهداء وحجم الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي الكبير.

حماس تعقب على مجزرة بيت لاهيا

وفي أول تعليق لها، قالت حركة حماس إن الاحتلال الإسرائيلي "يسابق الزمن في مجازره وفظائعه التي يرتكبها على مدار الساعة"، مضيفة أن "الصمت العربي والعجز الدولي شجع هذا العدو الفاشي المجرم على ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر، لإفراغ شمال القطاع من سكانه".

ودعت الحركة الدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة والجهات الدولية المعنية إلى "التحرك الفاعل، لوقف هذه المحرقة التي يرتكبها النازيون الجدد، والتي سيكون لها تداعيات كبيرة على أمن المنطقة وسلمها". كما دعت "الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الأنظمة والمنظمات الدولية لمغادرة مربع الإدانة والاستنكار وتحمل مسؤوليتها في وقف هذه المحرقة".

الأمم المتحدة تدين وتدعو لوقف الهجمات

بدوره، ندد تور وينسلاند المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط اليوم الأحد، بالغارات الجوية الإسرائيلية على بيت لاهيا، ودعا إلى وقف الهجمات على المدنيين وحث على حماية الفلسطينيين النازحين.

وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، السبت، أن النزوح القسري واستخدام التجويع سلاحا حرب يرقيان إلى جرائم حرب، معتبرة أن إسرائيل تستمر في تكرار هاتين الجريمتين في قطاع غزة. وأوضحت المنظمة، في بيان، أن أوامر الإخلاء شملت 85% من مساحة قطاع غزة، لافتة إلى أنه منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان شمال غزة، البالغ عددهم 400 ألف نسمة، بمغادرة منازلهم.

وذكرت أن الاحتلال الإسرائيلي أمر، مع تصعيد هجماته على شمال غزة، بالإخلاء ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى كل من تبقى هناك، مضيفة أن المدنيين يُجبرون بشكل غير قانوني على ترك شمال غزة من دون مكان آمن يذهبون إليه أو خطط واضحة تضمن لهم العودة.

ولفتت المنظمة إلى أن القانون الدولي الإنساني يحظر النقل أو الترحيل القسري للسكان الخاضعين للاحتلال، فيما يعطي استثناء محدودا بالإخلاء المؤقت باعتباره إجراء أخيراً في حالات الضرورة العسكرية الملحة، لكن هذا يتطلب ضمان نقل المدنيين بأمان، وحصولهم على الضروريات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى، والسماح لهم بالعودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء الأعمال العدائية في تلك المنطقة.

يعاني الآلاف من الجنود الإسرائيليين المشاركين في حرب الاحتلال على قطاع غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من اضطرابات نفسية شديدة أدت في حالات عدة إلى الانتحار. تقول قيادة جيش الاحتلال إنها تقدم الرعاية لآلاف الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أو الأمراض العقلية الناجمة عن الصدمات التي تعرضوا لها أثناء الحرب، ومن غير الواضح عدد الجنود الذين انتحروا، حيث لم يقدم الجيش رقماً رسمياً.

رصدت شبكة سي أن أن الأميركية، في تقرير نشرته اليوم الثلاثاء، الآثار النفسية وانتشار حالات الانتحار بين الجنود العائدين من القتال في غزة، وقال جنود للشبكة إنهم شهدوا "أهوالاً لا يمكن للعالم الخارجي فهمها بشكل كامل"، وتقدم رواياتهم لمحات نادرة عن وحشية الحرب، التي يرى منتقدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يريدها "بلا نهاية"، وعن الثمن غير المباشر الذي يدفعه الجنود المشاركون.

تعتبر الحرب الإسرائيلية على غزة هي أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال منذ إنشائها، ومع توسع الحرب الآن إلى لبنان يقول بعض الجنود إنهم يخشون أن يتم تجنيدهم في صراع آخر. قال أحد الأطباء في جيش الاحتلال بعد خدمته لأربعة أشهر في غزة لـ"سي أن أن"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "الكثير منا خائفون للغاية من التجنيد مرة أخرى للمشاركة في حرب بلبنان. كثيرون منا لا يثقون بالحكومة في الوقت الحالي".

انتحار قبل العودة إلى غزة

عاد جندي الاحتياط، إيليران مزراحي، وهو أب لأربعة أطفال ويبلغ من العمر 40 عاماً، بعد مشاركته في الحرب على غزة لمدة ستة أشهر إلى منزله شخصاً مختلفاً، وفقاً لما صرحت به عائلته لـ"سي أن أن"، وكان يعاني اضطراب ما بعد الصدمة وقبل أن يعاد إرساله للجبهة من جديد انتحر. وقالت والدته: "لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه. ومات بعد ذلك بسبب الصدمة التي تعرض لها".

قالت عائلة مزراحي إنه أمضى 186 يوماً في القطاع حتى أصيب في ركبته، ثم أصيب بتلف في السمع في فبراير/شباط الماضي عندما أصابت قذيفة سيارته، وتم نقله من غزة لتلقي العلاج. في إبريل/نيسان تم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، وتلقى جلسات علاج كلامية أسبوعية لكن العلاج لم ينفعه. وبينت والدته أنهم "لم يعرفوا كيف يعاملونهم (الجنود). قالوا (الجنود) إن الحرب كانت مختلفة تماماً. لقد رأوا أشياء لم يرها أحد من قبل في إسرائيل".

ووصفت العائلة حالة ابنها بأنه كان يعاني أثناء إجازته من نوبات غضب وتعرق وأرق وانطواء اجتماعي، وكان يقول لهم إن "من كان معي في غزة فقط هم من يمكنهم فهم ما أمر به". وأردفت شقيقته: "كان يقول دائماً: لن يفهم أحد ما رأيته". وتتساءل والدته إن كان ابنها ربما قتل شخصاً ولم يستطع التعايش مع ذلك.

بعد انتحار مزراحي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور للجندي الاحتياطي وهو يهدم منازل ومباني في غزة ويقف أمام هياكل مدمرة. وأوضحت شقيقته أنها رأت الكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم مزراحي بأنه "قاتل" وتسبه، وترد عليه برموز تعبيرية غير سارة "لقد كان الأمر صعباً".

من جهته، قدم جاي زاكين، صديق مزراحي ومساعده في قيادة الجرافة، مزيداً من التفاصيل حول تجربتهما في غزة، متحدثاً لـ"سي أن أن": "لقد رأينا أشياء صعبة للغاية. أشياء يصعب قبولها"، ويلفت زاكين إلى أنه لم يعد يستطيع أكل اللحوم، لأنها تذكره بالمشاهد المروعة التي شهدها من جرافته في غزة، ويعاني من صعوبة في النوم في الليل، بينما يرن صوت الانفجارات في رأسه.

وأضاف: "عندما ترى الكثير من اللحوم في الخارج، والدماء... دماؤنا ودماؤهم (حماس)، فهذا يؤثر عليك حقاً عندما تأكل منها"، مشيراً إلى الجثث باعتبارها "لحوماً"، ولكن زاكين من جهة أخرى يبدي تمسكاً بادعاءات جيشه، حيث يؤكد أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين التقى بهم كانوا "إرهابيين" على حد وصفه. وكان زاكين تحدث علناً عن الصدمة النفسية التي تلقاها الجنود الإسرائيليون في غزة في شهادة أدلى بها أمام الكنيست الإسرائيلي في يونيو/حزيران الماضي، فقد اعترف بأن الجنود لجأوا في العديد من المناسبات إلى "دهس الإرهابيين، أحياء وأمواتاً، بالمئات".

يقول طبيب من جيش الاحتلال للشبكة الأميركية إن الجنود يواجهون معضلات أخلاقية حين يلتقون بالمدنيين في غزة، حيث إن هناك فكرة مسبقة عند الجنود بأن سكان غزة "سيئون، وأنهم يدعمون حماس، وأنهم يساعدون حماس، وأنهم يخبئون الذخيرة"، ولكن في الميدان تغيرت بعض هذه المواقف "عندما ترى المدنيين في غزة أمام عينيك بالفعل".

وأوضح أستاذ العلوم السياسية في كينغز كوليدج لندن، أهرون بريغمان، والذي خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة ست سنوات، بما في ذلك خلال حرب لبنان عام 1982، أن حرب غزة لا تشبه أي حرب أخرى خاضتها إسرائيل. وقال إن "الحرب طويلة جداً"، ويقاتل الجنود في منطقة حضرية بين العديد من الناس "الغالبية العظمى منهم من المدنيين". ولفت بريغمان إلى أن سائقي الجرافات هم من بين أولئك الأكثر تعرضاً لوحشية الحرب. وأضاف لشبكة سي أن أن: "ما يرونه هو جثث، ويقومون بتنظيفها (مع) الحطام. إنهم يمرون فوقها"، ويشير إلى أن الانتقال من ساحة المعركة إلى الحياة المدنية قد يكون أمراً مرهقاً بالنسبة للعديد من الأشخاص، وخاصة بعد الحرب في المدن التي تنطوي على مقتل النساء والأطفال: "كيف يمكنك أن تضع أطفالك في الفراش عندما رأيت أطفالاً يُقتلون في غزة؟".

كانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد ذكرت أن 10 جنود انتحروا في الفترة ما بين 7 أكتوبر و11 مايو/أيار الماضيين، بحسب بيانات عسكرية حصلت عليها. وعندما سُئل عوزي بيتشور، وهو طبيب نفسي وقائد وحدة الرد القتالي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن عدد حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي منذ الحرب، قال إنه لا يُسمح للسلك الطبي بتقديم رقم، ويرى الجيش أن معدل الانتحار لم يتغير إلى حد كبير. وقال بيتشور إن "معدل الانتحار في الجيش مستقر إلى حد ما في السنوات الخمس أو الست الماضية"، مشيراً إلى أنه في الواقع كان في انخفاض على مدى السنوات العشر الماضية.

وأشار إلى أنه حتى لو كان عدد حالات الانتحار أعلى، فإن النسبة حتى الآن "هي نفسها تماماً مقارنة بالعام السابق لأن لدينا المزيد من الجنود"، وأضاف بيتشور لـ"سي أن أن": "هذا لا يعني أن هناك اتجاهاً لمزيد من الانتحار"، ولم يقدم أي معلومات عن عدد حالات الانتحار أو معدلها مكتفياً بالقول: "كل حالة بالنسبة لنا مفجعة".

مع ذلك، تبين أن أكثر من ثلث الجنود الذين تم إبعادهم من القتال يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، ففي بيان صدر في أغسطس/آب الماضي، قالت إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية إنه في كل شهر، يتم إبعاد أكثر من ألف جندي جريح جديد من القتال لتلقي العلاج، ويشكو 35% منهم حالتهم العقلية، بينما يعاني 27% منهم "رد فعل عقليا أو اضطراب ما بعد الصدمة"، وأضافت أنه بحلول نهاية العام من المرجح أن يتم قبول 14 ألف مقاتل جريح لتلقي العلاج، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 40% منهم مشاكل في الصحة العقلية.

يموت أكثر من 500 شخص منتحراً في إسرائيل، ويحاول أكثر من 6000 آخر الانتحار كل عام، وفقاً لوزارة الصحة. في عام 2021 كان الانتحار هو السبب الرئيسي للوفاة بين جنود جيش الاحتلال حسبما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، نقلاً عن بيانات عسكرية أظهرت أن 11 جندياً على الأقل انتحروا في ذلك العام. وفي وقت سابق من هذا العام، سعت وزارة الصحة إلى "دحض الشائعات حول ارتفاع معدلات الانتحار منذ السابع من أكتوبر"، قائلة إن الحالات المبلغ عنها هي "حوادث معزولة في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي". وبدون تقديم أرقام، قالت الوزارة إن هناك "انخفاضاً في حالات الانتحار في إسرائيل بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول (الماضيين) مقارنة بالأشهر نفسها في السنوات الأخيرة".