العدد 1655 /12-3-2025
غازي دحمان
برّد اتفاق الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات
سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي شيئاً من النار التي اشتعلت في صدور السوريين
بعد حالة الإحباط الشديدة التي سبّبتها إدارة معركة الساحل مع فلول نظام الأسد،
والتي نتجت عنها مذبحة طائفية بحقّ مئات السوريين العلويين، الأمر الذي أشاع اليأس
في نفوس سوريين كثيرين، سواء الذين اعتبروا أن الصورة التي ظهرت بها الدولة التي
تمثل ثورة السوريين لا تشبه طموحاتهم ولا تصوّراتهم عن سورية المستقبلية، أو نتيجة
شيوع الخوف من تقسيم سورية، في ظل وجود ثلاث بؤر توتّر في شرق سورية وغربها
وجنوبها، ووجود داعمين خارجيين لها.
يكشف الفرح السوري عن حجم إدراك غالبية السوريين
المخاطر التي وقفت سورية على عتبتها في الأيام الأخيرة، وفي ظل سقوط أقنعة بعض
الأطراف المحلية والخارجية وكشف نياتها في تأييد مشاريع التقسيم وإعادة هندسة
سورية وفق مخطّط بدا أنه مرغوب من فاعلين خارجيين، تتقدّمهم إسرائيل وإيران.
أهمية "قسد" في هذا السياق أنها تشكّل
أكبر الكتل العسكرية خارج وزارة الدفاع التي شكّلتها الحكومة السورية المؤقّتة،
حيث ينضوي تحت لوائها حوالي مائة ألف مقاتل يعتبرون الأكثر تنظيماً وتدريباً في
سورية، فضلاً عن امتلاكهم أسلحة حديثة، وسيطرتهم على أهم مناطق الثروة في سورية،
والتي تشكّل عودتها إلى سورية فرصةً أكيدةً لتحسين الوضع الاقتصادي الذي وصل إلى
وضع مزرٍ يُنذر باحتمالات هز الاستقرار الهشّ أصلاً.
الأهم أن إدماج "قسد" في هياكل الدولة
والجيش السوري ينهي الرهانات التي بنتها أطرافٌ محليةٌ وخارجيةٌ في إمكانية أن
يشكّل الأكراد قاطرة لقيادة أحلامهم في تقسيم سورية، أو على الأقل لتحويل سورية
إلى دولةٍ فيدراليةٍ تسمح للفاعلين الخارجيين بتحقيق السيطرة على جزء من سورية
بدون حروب وصراعات وضمان بقاء المركز في دمشق ضعيفاً وغير مؤثّر، ما يعني أن هذا
الاتفاق سيدفع الفاعلين المذكورين إلى إعادة حساباتهم، وحتى تعديلها للتكيّف مع
التطور الجديد الحاصل بعد الاتفاق.
وكانت إسرائيل قد حذّرت من احتمال حصول اتفاقٍ بين
القامشلي ودمشق، الذي رأت فيه ضربةً لمشروعها الجيوسياسي وخططها في سورية، الذي
يرتكز على التخوف على مصير الأقليات في سورية، ولا سيّما الأقليات العرقية ممثلة
بالأكراد، التي ستقع بين نار أردوغان في الشمال والشرع في الجنوب، وبخلاف الدروز
في الجنوب والعلويين في الغرب، فإن للكرد علاقات واسعة مع الغرب، كما أنهم عرقية
مختلفة عن العرب، وبالتالي يملكون بعض المشروعية في الاستقلال بمناطقهم، أو الحصول
على وضع يحفظ لهم إدارة شؤونهم الذاتية التي أسّسوها منذ السنوات الأولى للثورة
السورية.
ينطوي اتفاق الشرع عبدي على مؤشّر مهم جدّا يتمثل
بوجود موافقة أميركية على الاتفاق، وهو أمر جاء من خارج سياق التوقعات، ولا سيما
أن إدارة ترامب تتخذ موقفاً سلبياً من الإدارة السورية الجديدة، عبّرت عنها
تصريحات نائب الرئيس جي دي فانس، الذي شكّك بانتصار الثوار على نظام الأسد، وشبه
هذا الانتصار بالتقدم الذي حققه الجهاديون في السابق، والذي نجمت عنه انتهاكات
لحقوق الإنسان طاولت الأقليات، وخاصة المسيحيين، وكذلك تصريحات وزير الخارجية
ماركو روبيو بعد أحداث الساحل السوري وإدانته لما وصفه بـ"الإرهاب
الإسلامي"، وإعلان وقوفه إلى جانب الأقليات في سورية.
يؤكّد الاتفاق مقولة ترامب بعدم أهمية سورية
بالنسبة لأميركا، لأنها لا تضيف شيئاً مهماً لها، لكنه في الوقت نفسه يعني أن
أميركا لن تنخرط بمشروع تقسيم سورية أو عرقلة إعادة دمجها في المحيطين الإقليمي
والدولي، صحيح أن واشنطن ما زالت تمسك بورقة العقوبات التي بدون رفعها ستعاني
سورية كثيراً في المرحلة المقبلة وقد ينتج عن استمرارها تهديد للسلم الأهلي بشكل
فعلي، حسب تقرير نشرته مجلة الإيكونومست والتي حذرت من المخاطر القادمة على سورية،
التي يركع اقتصادها على ركبتيه، حسب وصف الصحيفة، والنتائج الاجتماعية الخطيرة
لاستمرار هذا الوضع.
وثمّة أهمية للاتفاق، تتمثل بمصداقية الدول
العربية في احتضان سورية وإخراجها من أوضاعها المزرية والحفاظ على وحدتها وحمايتها
من التقسيم، إذ ثمّة دور لعبته السعودية، التي تملك خطوط اتصال مع قيادة
"قسد" في سياق مساعي السعودية إلى ترسيخ قيادتها الإقليمية، وتعزيز
دورها في لحظة إقليمية ودولية، تحاول بعض الأطراف عبرها إعادة تشكيل المنطقة
وتوجهاتها السياسية وصياغة أدوارها المستقبلية.
ولكن لا يمكن فصل هذا التطور عن النداء الذي وجّهه
الزعيم التاريخي لحزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان، المؤثر الأكبر على فكر
قيادة "الإدارة الذاتية" الكردية في شرق سورية ونهجها، إذ يأتي الاتفاق
نتيجة مفاعيل التحوّل الحاصل لدى "العمّال الكردستاني"، واحتمال التوصل
إلى اتفاق مع تركيا، وبالتالي إخماد الصراع الذي استمرّ عقوداً.
يمكن القول إن الاتفاق بين الشرع وعبدي خطوة مهمّة
في طريق معافاة سورية وخروجها من دائرة الخطر، لكن هذه الخطوة، على أهميتها، ستبقى
ناقصةً إذا لم يتم تصحيح السياسات التي تؤدّي إلى تهميش بعض المكونات السورية،
واستبعاد فئات كثيرة من المشاركة في صنع القرار، وإعادة تنظيم القوى الأمنية والعسكرية
بشكل احترافي، حتى لا يجري تكرار الأخطاء التي وقعت في الآونة الأخيرة، وكادت أن
تودي بمستقبل سورية ووحدتها.