العدد 1691 /19-11-2025

مصطفى عبد السلام

حسناً، فعلت الأمم المتحدة حين كشفت، في تقرير موسّع صدر اليوم الثلاثاء، عن جانب من الانهيارات غير المسبوقة التي شهدها الاقتصاد الفلسطيني جرّاء حرب الإبادة الجماعية على غزة، ورصد جزء من التدمير الممنهج الذي قام به جيش الاحتلال لكلّ مظاهر الحياة في فلسطين، سواء في غزّة أو الضفة الغربية، وكيف أنّ هذا الاقتصاد يشهد حالياً أسوأ انكماش بسبب الحرب التي استمرت عامَين، وقيود الاحتلال الاقتصادية.

بل صنفت المنظمة الأممية الأزمة الاقتصادية في فلسطين بأنها من بين أسوأ عشر أزمات اقتصادية عالمياً منذ عام 1960، وأنه في حين كان انكماش الاقتصاد حاداً في جميع أنحاء فلسطين، فإنّ غزة شهدت التأثير الأكثر تدميراً. فاقتصاد غزة انكمش بنسبة 87% خلال عامَي 2024/2023، ليتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى 161 دولاراً فقط، وهو من أدنى المعدلات المسجلة عالمياً.

والأزمة داخل القطاع تُعد الأشدّ قسوةً على الإطلاق وفق وصف الأمم المتحدة، وحجم الدمار في غزة بعد الحرب يعني أن القطاع سيظلّ يعتمد على الدعم الدولي المكثف، وأن التعافي قد يستغرق عقوداً، بخاصة أنّ الانهيار الاقتصادي في القطاع المحتل يعد من بين أكبر الانكماشات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

ورصد التقرير الأممي أيضاً الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية والأصول الإنتاجية والخدمات العامة، والتي محت عقوداً من التقدّم الاجتماعي والاقتصادي في الأرض الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أنّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني عاد بنهاية العام الماضي إلى مستواه في عام 2003، ما يعني خسارة 22 عاماً من التنمية.

وتطرق التقرير الصادر اليوم عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إلى القيود المفروضة من دولة الاحتلال على دخول السلع الإنسانية والتجارية، التي أدت إلى حدوث ارتفاع حاد في التضخم بنسبة بلغت 238%، وهي الأعلى في العالم، وارتفاع معدلات البطالة إلى 80%، ودفعت البطالة الجماعية وارتفاع الأسعار جميع سكان غزة إلى ما دون خط الفقر.

وبحلول إبريل/نيسان 2025، فإنّ هناك أكثر من 174 ألف مبنى في غزة قد تضرّر أو دمر، وهو ما يمثل نحو 70% من منشآت غزة، إذ أدى تصعيد الأعمال العدائية إلى تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المصانع والشركات والمستشفيات والمدارس والجامعات والمباني السكنية والبنوك، بالإضافة إلى أصول حيوية في قطاعات الطاقة والمياه والاتصالات والزراعة، كما أدى القصف الإسرائيلي بين أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومايو/أيار 2025 إلى انقطاع الكهرباء وانخفاض بنسبة 73%، وهو مؤشر على انخفاض النشاط الاقتصادي.

الأرقام والمؤشرات التي رصدتها الأمم المتحدة بشأن انهيار الاقتصاد الفلسطيني ربما تكون معروفة، وقد لا يكون فيها جديد ومثير، اللهم إلّا كونها صادرة عن المنظمة الأممية، وهذا يعطيها نوعاً من التوثيق والمصداقية عند تتبّع الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال وجيشها بحق الشعب الفلسطيني واقتصاده.

لكن يبقى الأهم والسؤال عن الخطوة التالية: لماذا يخلو تقرير الأمم المتحدة من المطالبة صراحةً بتحميل دولة الاحتلال الفاتورة الضخمة التي يتكبدها المواطن والاقتصاد الفلسطيني، ولماذا لا تتحرك الأمم المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل وإرغامها على دفع تعويضات عن كل هذا الدمار الهائل الذي أحدثته على مدى عامَين كاملَين داخل فلسطين، ولماذا لا يجري تحميل إسرائيل كلفة إعادة إعمار القطاع التي قدّرتها المنظمة الدولية بنحو 70 مليار دولار منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟

والأهم من كل ذلك: لماذا لا يتحرك الغرب نحو تحميل إسرائيل فاتورة حرب الإبادة كاملة كما فعل في ملف أوكرانيا حينما وضع يده على نصف احتياطيات روسيا الأجنبية لدى قطاعه المصرفي والتي تقدر بأكثر من 300 مليار دولار، مع توجيه جزء من هذا المبلغ الضخم لصالح مشروعات إعادة إعمار أوكرانيا ما بعد الحرب، وتوجيه الجزء الأكبر لتمويل شراء كييف صفقات سلاح أميركية وأوروبية وضمان استمرار الحرب المشتعلة؟