العدد 1537 /16-11-2022
ينطلق مونديال قطر 2022 يوم
الأحد، ومعه يتنفَّسَ الملايين من العرب الصعداء فرحاً وسعادة وفخراً، في اللحظة
التي أصبح فيها هذا الحدث العالمي الكبير حقيقةً واقعةً تستضيفه الدوحة المدينة
التي لبست حلة جديدة، وتغيرت ملامحها وبنيتها التحية وتجلت كواحة وارفة للحضارة
الإسلامية وساحة للقاء عالمي هو الأكبر من نوعه على الإطلاق.
ظلُّ هذا الحدثِ بارد
على اليمن على الأقل هذه الأيام، فالحرب تبدو محدودة، رغم بقاء أسبابها ورغم أن
الصراع لم يحسم بهزيمة أو انتصار. وليس ثمة نتيجة ينتظرها اليمنيون أهم من تلك
التي يُلقَى فيها السلاح، ويستعيد معها اليمنيون دولتهم ووطنهم وينشرون السلام في
ربوعه، ويلقنوا المستحق لكل من تربص بحاضرهم ومستقبلهم وثورتهم واستهدف الدولة
والجمهورية، واستثمر بسخاء من أجل تطويع إرادة الشعب اليمني وفرض خيارات سياسية
كارثية عليه.
تحتفظ الدوحة بقنوات
اتصال مؤثرة مع أطراف الحرب، بما فيها تلك التي تقف في الصف المقابل للشعب اليمني
وتمثل أحد أعدائه، وربما ساعد ذلك في التحكم بالمنحى العبثي للحرب اليمنية التي
تحولت خلال السنوات القليلة الماضية، إلى رسائل خشنة تتبادلها الأطراف الإقليمية،
وتأخذ شكل صواريخ وطائرات مسيرة تصل إلى أهداف حيوية، مبقيةً المجال مفتوحاً
لتأويل الجهة الإقليمية التي أدارت هذا الاعتداء واستثمرته.
في منتصف المسافة بين
نجاح قطر في الفوز بتنظيم المونديال وبين لحظة انطلاق صفارة البطولة، واجه هذا
البلد الصغير تحديات لا حصر لها ولا يقوى عليها الكبار، إذ تجندت لصنعها أطرافٌ
إقليمية ودوليةٌ ومنظوماتٌ غربية، كان أخطرها حصار قطر واستهداف وجودها السياسي
الذي بدا ثمناً ممكن الاحتمال في ظل تغول صفقة القرن التي أوشكت أن تطيح ببلدان
أخرى في منطقتنا.
ولأن الأحداث العالمية
مترابطة بشكل لا يمكن تجاهله، أمكن لقطر أن تستفيد بشكل كبير جداً من تغيرات
جوهرية في عواصم القرار العالمي، من انتقال السلطة في واشنطن إلى الرئيس جو بايدن،
وقرار الأخير سحب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ الأمر الذي برزت معه قطر كشريك
مفيد وفريد لواشنطن في إتمام هذا الانسحاب وتقديم التسهيلات اللوجستية لإنجازه،
ومساعدة الشعب الأفغاني في لحظة انهيار كبيرة تسببت بها واشنطن وفي تجاوز
تداعياتها.
وقبل هذا الانسحاب الذي
أبرز مكانة قطر العالمية، كانت العواصم الإقليمية قد التقطت الإشارات الحمراء من
العهد الجديد في واشنطن، على نحو أجبرها على تغيير سلوكها السياسي بشكل جذري في
المنطقة.
وفي ظل مناح كهذا تسارعت
الخطى باتجاه إنجاز المصالحة الخليجية، وهي الخطوة التي عطلت واحدةً من أخطر
التحديات المتربصة بمونديال قطر، إذ تحول الأمر من الاستهداف إلى تقاسم منافع
المونديال بين العواصم الخليجية.
تكمن خطورة الحرب
الدائرة في اليمن في أنها سرعان ما تأخذ أبعادها الإقليمية، في تطور ساهم في صنعه
الدعم العسكري الإيراني للحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهو دعم وفَّرَ
عدداً لا بأس به من هذه الأسلحة بيد الحوثيين، فيما يقوم الإيرانيون أنفسهم بإنجاز
المهمة من تلقاء أنفسهم لكن باسم الحوثيين.
لذا كان من الواضح أن
حرب اليمن هي واحدة من المهددات المحتملة التي قد تؤثر سلباً على المناخ العام
لمونديال قطر العالمي، بما لا يدع مجالاً للشك في أن إنجاز الهدنة الأطول من نوعها
خلال حرب اليمن، في الأول من نيسان/ أبريل الماضي، متزامنة مع انتقال السلطة إلى
مجلس قيادة رئاسي جديد، إنما كان يستهدف إسكان صوت الحرب في منطقة تتهيأ لإطلاق
البطولة العالمية الكبرى المعروفة بالمونديال أو كأس العالم من العاصمة القطرية
الدوحة.
لقد دُفعت قطر قسراً
للتدخل في مجرى حرب اليمن، في وقت كانت هي الأخرى تتعرض لأسوأ الارتدادات الآتية
من هذه الحرب، أما اليوم فإنها تحضر كطرف يهتم بأن تنتهي هذه الحرب، وأتطلع ومعي
كل اليمنيين، أن يتنامى دور قطر في هذا الاتجاه، لكن مع التزام واضح بالثوابت التي
يؤمن بها اليمنيون، وأن لا تتحول جهود كهذه إلى رافد للمعركة السياسية للأطراف
المهددة لكيان الدولة اليمنية وهويتها السياسية والوطنية.
وإلى أن تطلق صفارة
النهاية في بطولة كأس العالم في قطر، فإننا نتمنى لهذه الدولة العربية المسلمة
النجاح الذي تستحقه في تنظيم هذه البطولة وأن يضاف إنجاز كهذا إلى رصيد أمتنا، وأن
تتحول الروح السلمية لهذه البطولة إلى سلام مستدام في اليمن.