العدد 1642 /11-12-2024
تبدلت خرائط السيطرة
الميدانية في سورية خلال أيام قليلة من انطلاق عملية ردع العدوان التي بدأتها
فصائل المعارضة السورية في السابع والعشرين من الشهر الماضي، لتبدأ عملية تحرير
للبلاد بدأت في مدينة حلب شمالاً وانتهت في العاصمة دمشق جنوباً. وسيظل فجر الثامن
من شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2024 خالداً في ذاكرة السوريين، ففيه سقط نظام
جثم على البلاد 53 سنة، تحولت خلالها إلى "جمهورية خوف" تعرض خلالها
السوريون لمذابح متعددة وترهيب وقمع غير مسبوق في الأنظمة الاستبدادية.
وكان يُعتقد قبل السابع
والعشرين من الشهر الماضي أن خرائط السيطرة ومناطق النفوذ الإقليمية والدولية
ترسخت في سورية بعد 13 عاماً من الثورة، وأن تغييرها شبه مستحيل في ظل التفاهمات
المعمول بها وعدم اكتراث العالم بفرض حل سياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
ولكن الأحداث المتتالية أظهرت أن فصائل المعارضة السورية كانت تتهيأ خلال عام من
أجل مفاجأة العالم كله بالتوغل في مناطق سيطرة النظام في محافظتي إدلب وحلب شمالي
البلاد. وسرعان ما بدأ الانهيار المعنوي يتفشى في قوات النظام المتهالكة التي كانت
تعتمد على الدعمين الروسي والإيراني في الصمود.
10 أيام
غيرت خريطة السيطرة في سورية
بدلت فصائل المعارضة
السورية خلال عشرة أيام فقط كل خريطة السيطرة التي ظلت ثابتة منذ مارس/ آذار 2020،
عندما شعرت أن الفرصة مؤاتية لعمل عسكري واسع النطاق. ومن الواضح أن فصائل
المعارضة قرأت جيداً المشهدين الإقليمي والدولي، وأدركت أن النظام الذي سد كل
أبواب الحل السياسي أمام العالم لن يكون قادراً على المواجهة في ظل انشغال الروس
في الحرب الأوكرانية وتلقّي النفوذ العسكري الإيراني في سورية ضربات قوية من قبل
الجانب الإسرائيلي خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الفائتين. كما أن النظام
رفض المبادرة التركية للحل التي طرحها الرئيس رجب طيب أردوغان، والتي كانت كفيلة
بفتح الأبواب الواسعة لحل يرضي النظام والمعارضة للأزمة السورية، فضلاً عن عدم
استجابته لمطالب الدول العربية في تهيئة الأجواء لحل سياسي في البلاد.
ونظرة إلى الجغرافيا
السورية في اليوم الأول لسقوط حكم بشار الأسد، تظهر أن البلاد باتت اليوم ثلاث
مناطق نفوذ رئيسية، ربما تتغير خلال أيام قليلة، خصوصاً في الساحل السوري غربي
البلاد. وتفرض فصائل المعارضة السورية السيطرة على الجانب الأكبر من الجغرافيا
السورية والمدن الرئيسية فيه، فهي باتت تسيطر على العاصمة دمشق وريفها ومحافظات
درعا والسويداء والقنيطرة في جنوب البلاد. وتسيطر على أكبر مدينتين في وسط سورية
هما حمص وجانب كبير من ريفها وحماة وجانب كبير من ريفها، وفي الشمال الغربي تفرض
سيطرة كاملة على محافظة إدلب. وتسيطر على حلب، كبرى مدن الشمال السوري، وريفها
الواسع، باستثناء منطقة منبج التي لا تزال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
غرب نهر الفرات، ومنطقة عين العرب شرق النهر.
وسيطرت الفصائل على
البادية السورية مترامية الأطراف، ومحافظة دير الزور جنوب نهر الفرات بعد انسحاب
"قسد" منها، بعد يومين فقط من دخولها عقب انسحاب قوات النظام والمليشيات
الإيرانية، في مؤشر واضح على أنه ليس بإمكان هذه القوات توسيع نطاق سيطرتها خارج
شرق نهر الفرات. كما تسيطر الفصائل على جانب من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي على
الحدود السورية التركية، وعلى منطقتي تل أبيض ورأس العين في منطقة شرق نهر الفرات.
وبذلك، تفرض فصائل
المعارضة سيطرتها على مساحات هائلة من سورية تقدر بأكثر من 100 ألف كيلومتر مربع.
ولا تزال محافظتا طرطوس واللاذقية، غربي البلاد، والريف الغربي لحماة وحمص خارج
سيطرة فصائل المعارضة السورية، التي لم تتوجه حتى اللحظة باتجاه هاتين المحافظتين
ربما بسبب الخصوصية اللتين تتميّزان بهما، حيث يشكل العلويون نسبة كبيرة من
سكانهما. وهرب إلى طرطوس واللاذقية غالبية ضباط النظام وكبار الشبيحة الذين مارسوا
شتى أنواع الانتهاكات المتوحشة بحق السوريين منذ العام 2011 وحتى لحظة الهروب
الكبير مساء 7 ديسمبر بعد خروج بشار الأسد من البلاد. ومن المتوقع أن تجرى تفاهمات
سياسية بين سكان طرطوس واللاذقية من الطائفة العلوية وإدارة العمليات العسكرية،
ولا سيما أن الطائفة قررت القطيعة مع المرحلة السابقة من خلال إسقاط تماثيل بشار
الأسد ووالده المنتشرة في الساحات العامة، في مؤشر واضح على أن غرب سورية ربما لن
يشهد أي مواجهات عسكرية.
ثلث سورية بيد "قسد"
في المقابل، هناك
"قسد" التي باتت اليوم القوة العسكرية الثانية في سورية، حيث تضع يدها
على نحو ثلث مساحة البلاد في الشمال الشرقي الغني بالثروات النفطية والزراعية.
وسيطرت "قسد" التي يشكل مقاتلون أكراد قوامها الرئيسي، أمس الأحد، على
المربعين الأمنيين اللذين كانا تابعين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة ضمن
مناطق سيطرتها، كما سيطرت على مطار القامشلي.
ووفق خريطة السيطرة
الحالية، باتت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على كامل محافظة الحسكة البالغة 23
ألف كيلومتر مربع باستثناء منطقة رأس العين، وعلى جانب كبير من مساحتي محافظتي
الرقة ودير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، مع
منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي غرب النهر.
وتعد المنطقة التي تسيطر
عليها "قسد"، والتي يشكل العرب غالبية سكانها، الأكثر غنى بالثروات، بل
ينظر إليها على أنها سورية المفيدة. وتقع أهم وأكبر حقول النفط والغاز تحت سيطرة
قوات سوريا الديمقراطية، ولعل أبرزها حقول الرميلان في محافظة الحسكة وحقلا العمر
والكونيكو في ريف دير الزور.
وعلى الرغم من الدور
الذي لعبته في دحر تنظيم داعش، إلا أنّ "قسد" تواجه جملة من الاتهامات
من قبل المعارضة السورية، لعل أبرزها أنها جناح سوري لحزب العمال الكردستاني،
المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية لدى العديد من الدول، وسعيها إلى فرض إقليم ذي
صبغة كردية في شمال شرق البلاد، وهو ما يفتح الباب ربما لصدام عسكري إذا لم
تُرتَّب أوراق المنطقة سياسياً.
وربما تشهد الأيام
القادمة عملاً عسكرياً من قبل فصائل المعارضة السورية باتجاه منطقة منبج غرب نهر
الفرات، لتقليص مساحة سيطرة "قسد" وحصر نفوذها في منطقة شرق نهر الفرات،
ما يعني تبدل خرائط السيطرة التي كما يبدو لن تثبت بشكل نهائي في المدى المنظور
على الأقل. ومن المرجح أن ينسحب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وهو
الداعم الرئيسي لـ"قسد"، من شمال شرق سورية بعد استلام الرئيس الأميركي
المنتخب دونالد ترامب مهامه الشهر المقبل، ما يعني ترتيبات سيطرة جديدة في شرق
الفرات، ولا سيما في الرقة ودير الزور الخاليتين تقريباً من أي وجود سكاني كردي.