العدد 1638 /13-11-2024

ساري عرابي
"ماذا؟ تريدون منا أن نجعلكم تبدون بصورة جيدة؟ هذا ليس عملي. عملكم أن تجعلونا نبدو بصورة جيدة. عملنا ليس أن نجعلكم تبدون بصورة جيدة، أيها اليهود الأمريكيون. ما الذي يقلقكم؟ عملكم هو أن تجعلونا نبدو بصورة جيدة، وهكذا تفعلون ذلك. كل واحد منا يجب أن يخدم ثلاث سنوات في الجيش، أو سنتين في الجيش، وبعضنا يخدم خمس سنوات، وبعدها لبقية حياتنا. يجب عليكم أن تخدموا سنتين أو ثلاث سنوات في جيش الكلمات. عليكم أن تتعلموا كيفية خوض المعركة السياسية، والتي هي أكثر أهمية في هذه المرحلة من المعركة العسكرية التي نخوضها. سنخوض المعركة العسكرية”.
الكلمات أعلاه هي جزء من كلمة روث وايس (Ruth Wisse)، أستاذة الأدب اليديشي، وجّهتها إلى مجموعة من الطلبة اليهود الأمريكيين. وايس يهودية كندية وُلدت عام 1936 في تشيرنوفيتس، رومانيا (حاليا في أوكرانيا)، ونشأت في مونتريال، كندا. حصلت على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا والدكتوراة من جامعة مكغيل، عُيّنت أوّل أستاذة لمادة الأدب اليديشي في جامعة هارفارد ضمن منصب "أستاذ مارتن بيريتز للأدب اليديشي” وأستاذة الأدب المقارن، وذلك حتى تقاعدها في عام 2014. في عام 1968، ساعدت في تأسيس برنامج الدراسات اليهودية في مكغيل (الذي أصبح لاحقا قسم الدراسات اليهودية)، وفي عام 1971، انتقلت مع عائلتها إلى "إسرائيل”، لتدريس الأدب اليديشي في جامعة تل أبيب، لكنها رجعت سريعا إلى كندا لتستأنف مسيرتها المهنية في مكغيل، ثمّ لاحقا في هارفارد، وليس واضحا إن كانت أخذت الجنسية الإسرائيلية ولكنها في خطابها المقتبسة منه الكلمات أعلاه تتحدث وكأنّها إسرائيلية.
هي تعرض المنطق الصهيوني خالصا، فالحاجة الإسرائيلية هي المرجعية الأخلاقية، والصواب هو ما تفعله "إسرائيل”، وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون القتال في الحقول كلّها
التخصص الدقيق لوايس هو الأدب اليديشي، وهو الأدب المكتوب باللغة اليديشية، وهي لغة يهودية أوروبية تاريخية تجمع بين عناصر من الألمانية والعبرية وبعض اللغات السلافية. الأدب اليديشي يشمل مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية، بدءا من القصص الشعبية والشعر، مرورا بالمسرح والروايات التي كانت تُكتب أساسا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وصولا إلى الأعمال التي ظهرت خلال فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها.
بالرغم من ذلك فإنّ الاشتغال الثقافي للبروفيسورة وايس لم ينحصر في هذا الجانب الدقيق، فمن مؤلفاتها مثلا: "If I Am Not for Myself: The Liberal Betrayal of the Jews” (إن لم أكن لنفسي: خيانة الليبراليين لليهود)، وهو كتاب تهاجم فيه الانتقادات الليبرالية الغربية للسياسات الإسرائيلية، والتي تراها وايس تناقضا ليبراليّا يتغاضى فيه الليبراليون عن المخاوف الأمنية الإسرائيلية وعن تعقيدات الصراع التاريخية والسياسية، في حين أنّ جوهر المقولة الليبرالية يدور حول حقوق الإنسان، وإذن فإنّ نقد "إسرائيل” بحسب وايس هو اعتداء على حقوق الإنسان، الأمر الذي يعني، بحسب ما يمكن استنتاجه من أطروحتها، أن الحاجة الإسرائيلية هي المرجعية للمفاهيم الأخلاقية، وهنا بالتأكيد يغيب الفلسطيني بوصفه إنسانا يفترض أنّ له حقوقا توجبها إنسانيته!
في النص المقتبس أعلاه تطالب وايس الطالب اليهودي الأمريكي، أن يعمل هو للدعاية لصالح "إسرائيل”، وليس له أن يتوقع من الإسرائيلي أن يكيّف أفعاله بما يجعل صورة اليهودي جيدة في أمريكا أو في العالم. المطلوب هو العكس، تبييض أفعال "إسرائيل”، والاستثمار في الحقل الثقافي لأجل ذلك، فإذا كان الإسرائيلي يخدم بضع سنوات مقاتلا على الأرض، على المثقف اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك الطالب الجامعي، أن يخدم فيما أسمته "جيش الكلمات”، وبهذا فإنّ اليهودي في العالم مدين للمقاتل الإسرائيلي على الأرض.
تدعو وايس في بقية كلامها، الذي يمكن الاطلاع عليه من المصدر، الطلاب اليهود الأمريكيين، للعمل بنحو فرديّ وجماعيّ للترويج لـ”إسرائيل”، واليقظة الدائمة للتحولات الحاصلة في الحقلين السياسي والاجتماعي، وما تنتجه هذه الحقول من مفاهيم، مثل مفهوم "التقاطع” (intersectionality)، وهو مفهوم في العلوم الاجتماعية يُستخدم لوصف التداخل الحاصل في هويات الشخص المختلفة، مثل العرق، والجنس، والطبقة الاجتماعية، والدين، وغير ذلك، وكيف أن أشكال التمييز أو الظلم تتداخل باعتبار تعدد الهويات التي تكتنزها الشخصية الواحدة، ممّا يعني، بحسب ما يمكن فهمه من كلام وايس، أنّ المعرفة ليست ترفا نظريّا، ولكنه التزام سياسيّ قبل أيّ شيء آخر، وأنّ واجب المثقف بوصفه ملتزما لا الترقي المعرفي فحسب، ولكنّه اليقظة المعرفية للاشتباك مع التحولات الثقافية، واستثمار الحقل الثقافي لأجل القضية السياسية.
تربط وايس في حديثها للطلاب بين المعرفة العسكرية والمعرفة الثقافية، فالجيش الإسرائيلي لا يتدرّب على الدفاع فقط، ولكن على الهجوم أصلا، وهكذا ينبغي أن يكون دور المثقف الملتزم في "جيش الكلمات”؛ لا يكتفي بالدفاع، بل عليه أن يبادر إلى الهجوم. وتعطيهم درسا تطبيقيّا في استراتيجيات الهجوم الواجبة، ومن ذلك فرض أسس النقاش، فالمثقف الملتزم بالقضية الإسرائيلية لن يقبل أن تكون طبيعة "إسرائيل” محلّ النقاش، بل يجب أن يقاتل لقبول "إسرائيل” كما هي، وأن يقلب الحجة الأخلاقية على منتقدي "إسرائيل”، تلك الدولة الصغيرة التي لا تُرى على الخريطة، إذ كيف ينشغل العالم بممارسات هذه الدولة التي لا تُرى على الخريطة؟!
تبدو وايس والحالة هذه، في توجيهاتها للطلاب، أقرب إلى ضابط في الجيش، يمكن ملاحظة ذلك في نبرة صوتها ولغة جسدها علاوة على منطوق كلماتها. وعلى أية حال، هي تعرض المنطق الصهيوني خالصا، فالحاجة الإسرائيلية هي المرجعية الأخلاقية، والصواب هو ما تفعله "إسرائيل”، وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون القتال في الحقول كلّها.
المثقف العربي والفلسطيني الذي يلحّ على إدانة حماس؛ يحاول أن يقول إنّه يفعل ذلك لأجل ما جرّته عمليتها على سكان غزّة، ولكنّه بذلك فعليّا يقول إنّ "إسرائيل” ما كان لها أن تقترف هذه الإبادة لولا عملية حماس، فالبداية هنا عند الطرفين، الإسرائيلي والمثقف العربي والفلسطيني المقصود؛ كانت مع السابع من أكتوبر، والنتيجة واحدة، وهي التبرئة المباشرة أو الضمنية لـ”إسرائيل”
لو ربطنا ذلك بما جرى أخيرا في أمستردام بهولندا بين جمهور "مكابي تل أبيب” وبعض المواطنين من أصول مغاربية، فإنّه يمكن لنا فهم كيف يتصوّر الإسرائيلي أنّ الحقّ له بالرغم من أنّ التسجيلات والتحقيقات أثبتت أنّه الذي بدأ في استفزاز الهولنديين من أصل عربي بالهتاف ضدّ العرب، وإنزال العلم الفلسطيني من على منازل بعضهم وتمزيقه، والاعتداء على سائقي الأجرة من أصول عربية، ولكنّ الإسرائيلي لا يبدأ بالقصة من أصلها، إنّما يبدأ بها من اللحظة التي تناسبه، وهكذا فجأة صار ردّ فعل الهولنديين من أصول عربية، مذبحة، و”هولوكوست” جديدا، وعداء للسامية، تماما كما أنّ الإسرائيلي لا يذكر شيئا عمّا سبق السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويتوقف عند ذلك اليوم الذي يسمّي فيه عملية حركة "حماس” مذبحة، ولا يقول لماذا لا يكتفي حتى الآن بأكثر من 43 ألف شهيد فلسطيني، وذلك دون احتساب المفقودين والجرحى، علاوة على التدمير الكامل الذي أوقعه بقطاع غزّة.
باختصار وكما في كتابها "إن لم أكن لنفسي: خيانة الليبراليين لليهود”؛ يكون الالتزام بالمبادئ الليبرالية بما لا يراعي المخاوف الإسرائيلية؛ خيانة لليهود، ومن ثمّ فلا ينبغي أن يثق اليهودي إلا بنفسه، وأن يظلّ متوجّسا دائما من الآخرين.
لو وضعنا بعض المثقفين العرب والفلسطينيين مقابل روث وايس، فلن نجد أدنى التزام بالواجب الأخلاقي في هذه الحرب في مواجهة الدعاية الإسرائيلية، التي تسعى إلى فرض أسسها للنقاش، ومن ثمّ فإنّ هؤلاء المثقفين، وبدعاوى أخلاقية زائفة، يستخدمون فيها المعاناة المهولة لسكان قطاع غزّة، لا يكادون يفعلون شيئا سوى إدانة حركة حماس، وهو ما يذكّر بنمط الاستضافة والاستنطاق الذي كان يفرضه الإعلاميون الغربيون المنحازون لـ”إسرائيل” على ضيوفهم بعد السابع من أكتوبر، إذ يشترطون بدء النقاش بإدانة حماس، وهو ما يعني افتراض حقّ ما لـ”إسرائيل” على الأقلّ بقدر خطأ حماس!
المثقف العربي والفلسطيني الذي يلحّ على إدانة حماس؛ يحاول أن يقول إنّه يفعل ذلك لأجل ما جرّته عمليتها على سكان غزّة، ولكنّه بذلك فعليّا يقول إنّ "إسرائيل” ما كان لها أن تقترف هذه الإبادة لولا عملية حماس، فالبداية هنا عند الطرفين، الإسرائيلي والمثقف العربي والفلسطيني المقصود؛ كانت مع السابع من أكتوبر، والنتيجة واحدة، وهي التبرئة المباشرة أو الضمنية لـ”إسرائيل”. وادعاء اختلاف المنطلقات لا يغيّر من ذلك في شيء، لا سيما أنّ هذا المثقف عاجز عن أن يضع أساسا معقولا للنقاش لا يتداخل مع الأساس الإسرائيلي، وعاجز عن تخفيف دورانه حول نفسه إلى ما بعد الحرب، وعاجز عن المساهمة بأيّ شيء سوى العودة الدائمة لنقد المقاوم الفلسطيني، وهو بذلك لا يجيّش كلماته إلا ليغذّي دورانه حول نفسه، حتى لو كانت كلماته رصاصا في بندقية جندي الكلمات الإسرائيلي!
هل كانت بريطانيا تخطط عندما أصدرت وعد بلفور لإنشاء «وطن قومي لليهود المضطهدين» في أوروبا، وليس لهم مكان يلجؤون إليه، بأن هؤلاء اليهود الذين سيصلون إلى فلسطين كمهاجرين من أماكن مختلفة من المعمورة سيقيمون دولة، وهذه الدولة ستصبح سيدة العالم وتتحول إلى وحش تصعب السيطرة عليه بعد مئة عام من الوعد المشؤوم؟
وعد بلفور لليهود كان يتضارب بشكل كبير مع وعد مكماهون للشريف حسين بإقامة مملكة عربية من اليمن إلى سوريا، ولهذا كان وعد بريطانيا للعرب مجرد واسطة تبرر الغاية، وهي تحقيق المشروع الاستعماري الصهيوني الجديد في فلسطين بغطاء بريطاني، والاستعمار البريطاني الفرنسي لدول ستنشأ باتفاقية سايكس ـ بيكو في الشرق الأوسط بعد رفع غطاء السلطنة العثمانية المحتضرة عنها.
بل جعلوا العرب يرفعون بأنفسهم هذا الغطاء بتحالفهم مع الحلفاء في الحرب لإسقاط السلطنة. وهنا لا بد من القول إن العرب ساهموا بتسهيل المشاريع البريطانية الفرنسية في المنطقة بأكملها لأسباب متعددة.
وقد اكتشفوا ذلك بعد أن «أكلوا الطعم» وأصابتهم الندامة، فاليهود «المضطهدون» تكشفت نواياهم عندما شكلوا ميلشياتهم الإرهابية ليضطهدوا الفلسطينيين ويطردوهم من أراضيهم وديارهم بارتكاب المجازر (كما يحصل اليوم تماما في غزة، وهذا يعني أن المشروع الاستعماري مازال منذ مئة عام مستمرا) فهذا المجتمع «اليهودي الصهيوني» المختلط والمختلف فيما بينه، يتفق على مسألة واحدة وهي قتل الفلسطينيين وتهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم، وتحقيق الحلم الصهيوني ببناء دولة كبيرة قوية على أشلاء دول الشرق الأوسط، بدأت بحرب النكبة، واستمرت بحرب النكسة، وما تبعها من حروب لا تنتهي مع الفلسطينيين في لبنان، والضفة، وغزة، ومع كل من وقف إلى جانبهم كما يحصل اليوم.
بعد عشر سنوات تقريبا من امتلاك أمريكا للقنبلة النووية واستخدامها في اليابان لإجبارها على الاستسلام، امتلكت إسرائيل أول مفاعل نووي في المنطقة تم بناؤه من قبل الحكومة الفرنسية في عهد غي موليه.
وعن طريقه امتلكت السلاح النووي (الذي لا تعترف به ولكن كل المؤشرات تؤكد ذلك من تصريحات وزراء وساسة إسرائيليين طلبوا استخدام السلاح النووي ضد الفلسطينيين في غزة، وآخر وثيقة تثبت ذلك وثيقة الاستخبارات الأمريكية التي جاء فيها بأن الضربات الإسرائيلية لإيران لن تستخدم فيها السلاح النووي).
وهذا السلاح أعطاها الثقة بأنها ستكون قوة عظمى في الشرق الأوسط، ولا يحق لأي دولة من دوله امتلاك هذا السلاح، وإذا حاولت أي دولة امتلاكه فستقوم بتدميره وهذا ما حصل مع المفاعل النووي العراقي الذي تم تدميره في 1981، والمفاعل السوري الذي تم تدميره 2007.
والآن تسعى لتدمير المفاعل النووي الإيراني الذي تخشى أن تصل إيران إلى امتلاك السلاح النووي وبالتالي تفقد خاصية الاستفراد بهذا السلاح، ويتحقق توازن الرعب في الشرق الأوسط، وتخشى استخدام هذا السلاح لو لزم الأمر فهي لا تتحمل تلقي ضربة نووية، بينما إيران يمكنها ذلك لاتساع مساحتها الجغرافية، وهذا سبب آخر للدولة العبرية في سعيها للتوسع جغرافيا على حساب الفلسطينيين، ودول الشرق الأوسط.
قامت الدول الغربية بشكل عام وعلى رأسها أمريكا باحتضان الدولة الوليدة كما يحضن الرضيع، فتم رفدها بالأموال، والخبرات، والسلاح، بل وحتى على المستوى المخابراتي، (وكان هذا جليا في العدوان على غزة). في الفترة التي كانت الأنظمة العربية ما زالت تقدم نفسها كدول همها الأول القضية الفلسطينية، وتحرير فلسطين من أولوياتها وهي تتجهز عسكريا لهذا الهدف، وفي الواقع فإن أربع دول فقط شاركت في الحروب (مصر، وسوريا، والأردن، والعراق) وباقي الأنظمة كانت في الصف الأول المخصص للمتفرجين.
وهذا ما استغلته دولة الاحتلال لتنادي في كل محفل، وكل زمان ومكان بأنها الدولة المهددة من 22 دولة عربية، ولا بد لها من الدفاع عن نفسها، ومواجهة جيوشها «الجرارة». فكانت دول الغرب تغدق عليها بكل أنواع الأسلحة، وآخر صيحات الطائرات المقاتلة حتى أصبح جيش الاحتلال أقوى جيش في المنطقة، ويمتلك كل وسائل القتل، والتدمير، والاغتيالات باستخدام أكبر الذخائر فتكا (وهذا ما شاهدناه عند استعمالها هذه الذخائر في اغتيالات قيادات حزب الله، وحماس بقنابل، وتدمير المباني والبنى التحتية والتي يصل وزنها لطن من المتفجرات) وتقوم باستخدامها، وتقوم بقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتدمر منازلهم، دون وازع أو رادع.
قدمت الصهيونية نفسها في بداياتها كحركة علمانية (أي هناك فصل كامل للدين عن الدولة، ولم تطرح مقولة يهودية الدولة) وقد مثل هذا التيار بشكل أساسي حزب العمل الإسرائيلي الذي حكم إسرائيل منذ إنشائها ولغاية العام 1977 والتي كانت مرحلة تأسيس الدولة وبناء مرافقها وجيشها واستقبال أكبر عدد من المهاجرين اليهود، ومحاولة السيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وضم الجولان المحتل، والسعي لإخراج مصر من منظومة المواجهة العربية لإسرائيل.
في الوقت نفسه تشكلت الكثير من الأحزاب اليمينية كحزب الليكود الذي تشكل في العام 1973. (وهو تكتل يميني من عدة أحزاب يؤمن بإسرائيل التاريخية في العهد التوراتي، وحرية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ولا يعطي الحق للفلسطينيين ببناء دولتهم) وهزم الليكود حزب العمل لأول مرة في انتخابات 1977.
واستطاع أن يحكم إسرائيل لعقدين من الزمن في فترات مختلفة بقيادة زعيمه بنيامين نتنياهو الذي قاد معظم هذه الحكومات وآخرها الحكومة الحالية ولكن بتحالف جديد مع الأحزاب الدينية المتطرفة (حزب وزير العمل بتسليئي سموتريش البيت اليهودي، وحزب وزير الأمن إيتمار بن غفير الجبهة الوطنية اليهودية، وهما حزبان دينيان متطرفان يمثلان الصهيونية الدينية ويدعوان جهارا نهارا لإقامة إسرائيل اليهودية الكبرى) واليوم يدعوان للاستيطان في غزة والضفة الغربية وطرد الفلسطينيين إلى الأردن.
وقد صرح بن غفير بعد أن سلح المستوطنين الذين يروعون الفلسطينيين بقراهم: «سنشجع على الهجرة الطوعية لجميع مواطني غزة. وسنقدم لهم الفرصة للانتقال إلى بلدان أخرى لأن هذه الأرض ملك لنا» وبضغط من الصهيونية الدينية تتجه إسرائيل لجعل الكنيست (البرلمان) يقتصر على اليهود فقط، أي لم يعد للفلسطينيين أي حق في الترشح النيابي، وهذه خطوة أخرى نحو «يهودية الدولة» أو الصهيونية الدينية، وجاء ذلك بعد طرح النائب العربي أيمن عودة مشروع قانون بالاعتراف بدولة فلسطينية الذي أسقطته الكنيست، وتقوم دولة الاحتلال بالهجوم غير المسبوق على الأونروا لتحرم الفلسطينيين من أي مساعدة دولية من ناحية، وحرمانهم من حق العودة.
وقالت صحيفة «الغارديان» إن حظر الأونروا يضع إسرائيل على طريق الدولة المارقة، وقدمت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، تقريرا قالت إن ما يجري في غزة «جريمة إبادة جماعية كاملة الأركان.. ومخطط إسرائيل الكبرى يهدد بمحو الفلسطينيين من الوجود» وأكد عاموس شوكين صاحب صحيفة «هاآرتس» العبرية «إن إسرائيل تطبق نظام الفصل العنصري وتعتبر الفلسطينيين مخربين وإرهابيين بينما هم مقاتلون من أجل الحرية، مشدّدا على الواجب بفرض عقوبات دولية على حكومة الاحتلال وتحديدا على الوزيرين سموترش وبن غفير».
هناك في حمأة هذا الصمت العالمي من قال إن إسرائيل تقوم بأعمال «همجية» كالرئيس الفرنسي، وإن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بدعم من الولايات المتحدة، والقوى الغربية الأخرى، كما قال الكاتب اليهودي المناهض للصهيونية يواف ليتفين، واليهودي الأمريكي يوسي بلين الذي قال لليهود: «كذبوا عليكم فإن دولتكم ستكون الأكثر رعبا» ولا أحد يصغي.