العدد 1652 /19-2-2025

شكّل إعلان مصرف سورية المركزي وصول مبالغ نقدية جديدة من عملة الليرة قادمة من روسيا إلى مطار دمشق الدولي بقيمة 300 مليار ليرة، تفاؤلاً كبيراً لدى السوريين من ناحية حاجة الأسواق المحلية إلى ضخ نقدي كبير وتحريك الجمود الحاصل بها، الناتج عن سياسة حبس السيولة وعدم طباعة نقود جديدة والمتبعة حالياً من قبل المصرف المركزي.

ووفق مصادر سورية فقد تمت طباعة تلك النقود في روسيا وقت أن كان الأسد لا يزال في الحكم، لكنها لم تُشحن إلى دمشق قبل الإطاحة بالنظام السابق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

ورغم وصول تلك المبالغ من روسيا، فقد انتقد الخبير في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، في حديثه لـ"العربي الجديد" الإشاعات التي سبقت إعلان المبلغ الحقيقي، والتي قدرت المبلغ بـ 60 تريليون ليرة، وهو ما يفوق موازنة سورية المقدرة بـ52.6 تريليون ليرة، وليس من المنطق إرسال هذا المبلغ، لافتاً إلى أن المبالغ الحقيقية، والتي تصل قيمتها إلى 300 مليار ليرة أي نحو 23 مليون دولار، لا تساوي أكثر من 0.5% من إجمالي الموازنة العامة المقررة (الدولار = 13 ألفاً و200 ليرة رسمياً).

واعتبر أنها قد تحسن وضع الأسواق بشكل طفيف جداً، فهي غير كافية إذا قيست بالعجز الكبير الموجود في الميزان التجاري في سورية، وحاجة الدولة إلى عشرة أضعاف هذا المبلغ، لذلك قد تغطي هذه الأموال الأجور لمدة شهرين فقط في أحسن الأحوال.

وتساءل شعبو فيما إذا كانت هذه الأموال فيها تغطية نقدية حقيقية، خاصة أنها تتبع للنظام المخلوع، وكان من المقرر أن تصل قبل بداية العام الحالي، فهل هي كانت مقابل إنتاج أم مقابل احتياطات أجنبية، أم أنها عبارة عن طباعة من دون إصدار؟ وفي حال كان الاحتمال الأخير هو الصحيح، فإن هذا الأمر سيرفع من نسبة التضخم بشكل كبير، وسيؤدي إلى زيادة سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وقد يعود إلى أرقامه السابقة، لأن السيولة التي ستضخ في الأسواق غير ناتجة عن تحسن الوضع الاقتصادي، أو زيادة في الإنتاج، أو حركة في العجلة الاقتصادية، وبذلك لن تعالج هذه الكتلة النقدية المشكلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مصرف سورية المركزي كان يعيش حالة غيبوبة مطلقة منذ عام تأسيسه في سنة 1956، وذلك لأن النظام المخلوع لعب على تفريغه من مضمونه وكان عاجزاً عن التدخل، لذلك ليس بإمكانه أن يعالج هذا التقصير في ظرف شهرين أو ثلاثة، ولكن بالمجمل الشارع السوري لا يعرف حجم السيولة الموجودة في مصرف سورية المركزي وحجم الديون على الحكومة، لذلك لا يمكن معرفة فيما إذا كانت سياسة حبس السيولة مقصودة أم ناتجة عن عدم وجود كتلة نقدية لدى المصرف.

خطط سورية لحل أزمة السيولة

أضاف: "هذا الأمر يحتاج إلى معلومات رسمية، لأن الحلول التي يمكن اقتراحها قد تكون مثالية في ظل عدم توافر هذه المعلومات، وقد لا تناسب الحالة السورية، ولكن ما اتبعه المصرف في اعتماد الخطة الاثني عشرية بدلاً من التخطيط السنوي، يشير إلى وجود مشكلات نقدية وخلل في تحسين الواقع النقدي لسورية، ولكن ممكن خلال الفترة القادمة تحسين الإيرادات الحكومية، من خلال تخفيف الهدر والاعتماد على الضرائب نوعاً ما وزيادة الإنتاج وتحقيق استقرار في سعر الصرف".

واقترح شعبو على المصرف المركزي أن يتبع خطوات عدة منها: تأمين السيولة والضخ التدريجي في السوق، وتحسين الثقة بالمؤسسات المالية بالتوازي مع تحسين الخدمات والمستوى المعيشي، معتبراً أن سياسة تقييد السيولة إيجابية ومقبولة في حال اتبعت لفترة قصيرة، ولكن لا بد من أن تساهم السيولة التي تدخل الأسواق في تحسين الخدمات للأفراد ليشعروا بتغير الوضع الاقتصادي، لأن خلاف ذلك قد يؤدي إلى حالة كارثية، خاصة في ظل تأخر الرواتب وسوء الخدمات الأساسية ورفع الدعم عن المواطنين.