العدد 1670 /2-7-2025

محمد أمين

في خضم عودة الحديث عن خطر تنظيم داعش في سورية، لا سيما بعيد الهجوم على كنيسة مار إلياس في دمشق في 22 يونيو/ حزيران الماضي والذي اتهمت وزارة الداخلية السورية "داعش" بتنفيذه، والحملة التي تلته من جهاز الأمن العام التابع للوزارة ضد خلايا التنظيم في ريف دمشق الجنوبي، بدأت تتوارد أنباء عن قرب إطلاق حملة عسكرية استباقية ضد خلايا "داعش" في البادية، تشترك بها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وفصيل "جيش سورية الحرة" الذي بات جزءاً من هيكلية الجيش السوري الجديد.

وعقب تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، أطل خطر "داعش" من جديد، وهو ما يشكل مصدر قلق إقليمي ودولي قد يدفع التحالف الدولي للانخراط في حملة واسعة النطاق ضد خلايا التنظيم المتمركزة في البادية السورية المتصلة جغرافياً بصحراء الأنبار العراقية. وكان التنظيم قد حذر أخيراً الإدارة السورية الجديدة من مغبة الانضمام إلى التحالف الدولي ضده، ما يثير مخاوف من تفجيرات محتملة في سورية هدفها خلط الأوراق في المشهد السوري والتأسيس لفوضى أمنية جديدة تتيح له الظهور بقوة من جديد. وكان لافتاً بيان البيت الأبيض حول توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمر تنفيذي بإنهاء العقوبات الأميركية المفروضة على سورية مساء أمس الأول الاثنين، الذي دعا الحكومة السورية إلى التعامل بشكل فعّال مع "الإرهابيين الأجانب"، ودعم الجهود الأميركية لمنع إحياء "داعش" من جديد، وتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز أعضاء "داعش" في شمال شرقي سورية.

نحو حملة أمنية ضد "داعش"

وأكد القيادي في "قسد" محمود حبيب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القوات الأميركية في العراق وسورية بصدد القيام بحملة موسعة ضد خلايا "داعش" في البادية السورية، موضحاً أنه لم تتضح بعد أبعاد ونطاق هذه الحملة. وأوضح أن هناك "تحضيرات" للقيام بالحملة، مشيراً إلى أن التحالف الدولي يتعاون مع "قسد" لمحاربة "داعش" في مناطق سورية عديدة، مضيفاً: هدف الحملة المرتقبة التخفيف من خطر تجمّع خلايا التنظيم في البادية وجعلها نقطة ارتكاز للهجوم على مدن سورية كبرى. وأشار إلى أن هذه القوات مشطت قبل ثلاثة أشهر جزءاً من البادية السورية بالتعاون مع التحالف الدولي وهو المحور الممتد من قاعدة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني وصولاً إلى بلدة الضمير في ريف دمشق.

وتحدثت وسائل إعلام مقربة من "قسد" عن تحرّكات عسكرية غير مسبوقة لهذه القوات، مشيرة إلى توجّه أرتال ضخمة مؤلفة من مئات السيارات رباعية الدفع والشاحنات العسكرية المحمّلة بمختلف أنواع العتاد والأسلحة من الرقة نحو البادية السورية. وتفرض "قسد" سيطرة على جانب من البادية السورية في ريف الرقة الجنوبي الغربي. وكانت هذه القوات قد وسّعت نطاق سيطرتها في عمق البادية بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بحيث باتت على أطراف ريفي حماة وحمص الشرقيين.

دور "جيش سورية الحرة"

في المقابل، قال مصدر في قاعدة التنف، لـ"العربي الجديد"، إن المهام التي يقوم بها "جيش سورية الحرة" في البادية السورية بالاشتراك مع التحالف الدولي "لم تتوقف" بعد ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. وأكد أنه غير مطروح تدخّل "قسد" في الوقت الراهن في التحركات العسكرية ضد "داعش" في البادية. واستغرب المصدر حديث "قسد" عن عملية مشتركة في البادية السورية، موضحاً أن التحالف الدولي "لم يبلغنا عن عمل مشترك مع قسد ضد داعش".

وكان قائد "جيش سورية الحرة" سالم العنتري قد شارك في "مؤتمر النصر"، الذي عقد في يناير/ كانون الثاني الماضي في دمشق وضم الفصائل السورية التي حاربت نظام الأسد وأسقطته في ديسمبر. وبات فصيل "سورية الحرة" تابعاً لوزارة الدفاع السورية ضمن الفرقة 70 التي ضمت العديد من الفصائل التي كان لها دور في محاربة النظام المخلوع، ونطاق عمل الفرقة ريف دمشق والبادية. وتلقى عناصر "جيش سورية الحرة" تدريباً عالي المستوى من قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف يخوّله التعامل مع خلايا "داعش" في البادية السورية مترامية الأطراف. ويُعتقد أن لـ"داعش" حضوراً في البادية السورية، ولكن من غير المعروف عدد عناصره ومستوى تسليحهم وقدرتهم على القيام بعمليات واسعة النطاق يمكن أن تشكل خطراً على الاستقرار الأمني الهش في سورية.

ومن المستبعد اشتراك الفرقة 70 في الجيش السوري بحملة عسكرية مع "قسد" ما دامت الأخيرة خارج نطاق هيكلية وزارة الدفاع السورية. وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من المبكر الحديث عن جهد مشترك يقوم به الجيش السوري وقسد ضد الإرهاب"، مستدركاَ بالقول: لكن الأمر غير مستبعد ويتوقف على نتائج الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وتركيا في سبيل دمج هذه القوات في هيكلية وزارة الدفاع في الحكومة السورية.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد وقّع في مارس/ آذار الماضي اتفاقاً مع قائد "قسد" مظلوم عبدي وُصف بـ"التاريخي" في حينه لدمجها في المنظومة العسكرية والأمنية السورية وتفادي الصدام العسكري معها، إلا أن هذا الاتفاق لم يجد طريقه لتنفيذ مضامينه بعد، ما يطرح أسئلة حول جديته في ظل تمترس "قسد" خلف مطلبها الرئيسي بدخول الجيش كتلة واحدة وبقائها الجهة المسيطرة على الشمال الشرقي من سورية وهو ما ترفضه دمشق. كما ربطت "قسد" الاتفاق مع القضية الكردية في البلاد، ما يدفع للاعتقاد بأن حسم مصير هذه القوات والمنطقة التي تسيطر عليها والتي تعادل نحو ثلث مساحة البلاد ربما يتأخر لنهاية العام الحالي. وتدفع الولايات المتحدة باتجاه دخول "قسد" في الجيش السوري، وتضغط عليها لتنفيذ هذه الخطوة في أقرب الآجال. وطالب السفير الأميركي في أنقرة، المبعوث الخاص إلى سورية توم برّاك، في تصريح لوكالة الأناضول التركية قبل أيام، "قسد" بـ"الاندماج في سورية الجديدة سياسياً وعسكرياً، تماماً كما يسعى العلويون والدروز والمجتمعات الأخرى إلى التمثيل"، مشيراً إلى أن "تحقيق ذلك يستغرق وقتاً". وأكد برّاك أن "الحكومة السورية ستكون الطرف الوحيد الذي تتحاور معه الولايات المتحدة في سورية". وتشي تصريحات المسؤول الأميركي بأن واشنطن تعوّل على الحكومة السورية في تسلّم مهمة محاربة "داعش" في البلاد، لذا سحبت الكثير من جنودها الذين كانوا يتمركزون في عدة قواعد في شمال شرقي سورية.