العدد 1681 /17-9-2025
أحمد أبو قمر
تواجه مدينة غزة، العاصمة الاقتصادية والإدارية
لقطاع غزة الذي يتعرض لعدوان شامل منذ نحو عامين، انهياراً غير مسبوق على جميع
المستويات، عقب اجتياحها براً أمس من قبل جيش الاحتلال، كما سبق أن حولها العدوان
الإسرائيلي المستمر إلى مدينة أشباح على مدى العامين الماضيين، والمدينة التي كانت
تشكل المركز التجاري الأول داخل القطاع المحتل، وتضم الأسواق المركزية والمصارف
والمؤسسات الحكومية والشركات الكبرى، باتت اليوم مدمرة بشكل شبه كامل، يعمق من
حالة الدمار تلك الاجتياح البري الحالي، وإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل
كاتس، أن "غزة تحترق" في ظل تصاعد القصف الإسرائيلي العنيف على المدينة.
ويجمع مختصون على أن استهداف مدينة غزة تحديداً
يعني ضرب ما تبقى من الاقتصاد الغزي في عمقه، لأنها تمثل القلب النابض لجميع
محافظات القطاع، حيث تحتضن المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والصحية الكبرى، وبذلك
فإن تدميرها لا يؤدي فقط إلى خسائر عمرانية هائلة، بل يعطل الدورة الاقتصادية
بأكملها، ويضاعف من معدلات البطالة والفقر في القطاع المحاصر.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر في
الأبراج التجارية والمجمعات السكنية والبنية التحتية الحيوية في مدينة غزة وحدها
تقدر بمليارات الدولارات، في وقت فقد عشرات الآلاف من السكان منازلهم ومصادر
رزقهم، فيما توقفت الأنشطة التجارية والمصرفية والتعليمية بشكل شبه كامل.
مدينة عريقة تُمحى
بدوره، أكد المهندس المعماري، يوسف حماد، أن
مدينة غزة ليست مجرد تجمع سكني، بل واحدة من أعرق مدن العالم المأهولة بالسكان، حيث
تعود جذورها إلى آلاف السنين. وقال حماد في حديث لـ"العربي الجديد":
"المدينة احتضنت عبر التاريخ مباني أثرية، ومساجد، وبيوتاً قديمة ذات طابع
معماري فريد، إلى جانب أبراج حديثة كانت تعكس صورة التطور العمراني في
القطاع".
وأوضح أن استهداف هذه المباني يهدف إلى محو
هوية حضارية ممتدة لقرون وليس فقط إلى تدمير بنايات سكنية أو تجارية،
"فالأبراج التي كانت تضم مئات الشركات والمحلات التجارية مثلت شريان الحياة
الاقتصادية للقطاع، ومع سقوطها تحول المشهد العمراني إلى ركام في محاولة لطمس
ملامح المدينة وتاريخها".
وقدّر تقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير/
شباط الماضي، تكلفة إعادة الإعمار والتعافي في الأراضي الفلسطينية بنحو 53.2 مليار
دولار خلال عشر سنوات، مع احتياجات عاجلة تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار خلال
السنوات الثلاث الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة تعادل
أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي السنوي للأراضي الفلسطينية، حيث بلغ الناتج
المحلي الإجمالي للضفة الغربية وغزة، حوالي 17.4 مليار دولار في عام 2023. وذكر
التقرير أن هذه الاحتياجات تشمل إعادة بناء شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي،
وتأهيل المستشفيات والمدارس والمساكن التي دمرت بالكامل أو تضررت بشكل كبير،
مشيراً إلى أن الخسائر في غزة تحديداً تمثل الجزء الأكبر من هذه الأرقام، نظراً
لحجم التدمير الذي طاول البنية التحتية والمراكز الاقتصادية.
دمار واسع بالبنية العمرانية
في حين، تظهر بيانات المكتب الإعلامي الحكومي
بغزة، أن العدوان على المدينة ألحق دماراً واسعاً بالبنية العمرانية والاقتصادية
للمدينة، حيث جرى تدمير أكثر من 1600 برج وبناية سكنية متعددة الطوابق تدميراً
كاملاً، إضافة إلى أكثر من 2000 برج وبناية أخرى تعرضت لتدمير بليغ. كما طاول
الاستهداف أكثر من 13 ألف خيمة تؤوي النازحين، ما يعكس حجم الانهيار في البنية
السكنية التي تشكل الركيزة الأساسية للنشاط الاقتصادي والاجتماعي.
وقال المكتب الإعلامي: "منذ مطلع سبتمبر/
أيلول الجاري، نسف الاحتلال أكثر من 70 برجاً سكنياً وتجارياً وألحق أضراراً جسيمة
بـ120 برجاً إضافياً، إلى جانب تدمير أكثر من 3500 خيمة.
وكشف تقرير حديث صادر عن المكتب الإعلامي
الحكومي أن نحو 90% من البنية التحتية في القطاع دُمّرت بعد مرور 700 يوم على
الحرب، حيث لحق الدمار بمختلف القطاعات الاقتصادية.
هذه الأرقام تعني أن قطاعات التجارة والخدمات
التي كانت تتركز داخل تلك الأبراج، من مكاتب ومحلات ومراكز اقتصادية وطبية
وتعليمية خرجت بالكامل عن الخدمة، وهو ما أدى إلى شلل شبه تام في الدورة
الاقتصادية للمدينة.
ضربة اقتصادية كبيرة
من جهته، أكد المختص في الشأن الاقتصادي، عماد
لبد، أن مدينة غزة كانت تستحوذ على أكثر من نصف النشاط الاقتصادي في القطاع قبل
بدء الحرب، إذ تضم الأسواق الكبرى والمقار الرئيسة للبنوك والشركات، إلى جانب
الجامعات والمستشفيات المركزية.
وقال لبد لـ"العربي الجديد" إن
العدوان الذي يتركز حالياً بمدينة غزة لم يقتصر على تدمير الأبراج السكنية والتجارية،
بل أدى إلى خروج عشرات المنشآت الاقتصادية عن الخدمة بشكل كامل، بما في ذلك
الأسواق المركزية، والمصانع الصغيرة والمتوسطة، والفنادق، والمراكز التجارية.
وأوضح أن هذه المنشآت كانت تمثل شريان الحياة
للاقتصاد المحلي، ومع توقفها فقد آلاف العمال وظائفهم، ما أدى إلى ارتفاع البطالة
إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، "ومع انهيار هذه البنية التحتية الاقتصادية
تعطلت حركة رأس المال، وتوقفت الدورة المالية الداخلية، ما انعكس مباشرة على
القدرة الشرائية للمواطنين وتفاقم معدلات الفقر بشكل حاد".
وأشار لبد إلى أن الخسائر لم تقتصر على قطاع
التجارة، بل شملت المراكز الخدمية الحيوية، مثل الجامعات، والمستشفيات الخاصة،
والمراكز الطبية، التي كانت تشكل عصباً أساسياً في تقديم التعليم والصحة، لافتاً
إلى أن تعطيل هذه المؤسسات لا يعني فقط خسائر اقتصادية آنية، بل يترك آثاراً ممتدة
على رأس المال البشري في القطاع، ويهدد بفقدان أجيال كاملة فرص التعليم والعمل.
وختم لبد حديثه مع "العربي الجديد"
بالقول: "تكلفة هذه الخسائر لا تقاس فقط بحجم الدمار المادي بل بمدى تعميق
الفقر والبطالة، إذ تحولت آلاف الأسر في مدينة غزة من فاعلة اقتصادياً إلى معتمدة
كلياً على المساعدات".