العدد 1586 /1-11-2023
مصطفى عبد السلام
ما أن استيقظ الإسرائيليون على أخبار هجوم
المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر الماضي حتى تدافع الآلاف منهم نحو المطارات،
ومنها بن غوريون وحيفا، باحثين عن أي طائرة تقلهم خارج الدائرة الجهنمية التي
وجدوا أنفسهم في قلبها فجأة.
وقبل أيام رأينا فيديو لمتظاهرين من دولة داغستان وهم
يقتحمون طائرة تقل إسرائيليين فارين من بلدهم بسبب الحرب.
وقبلها رأينا أساطيل من الطائرات التي تحمل
إسرائيليين متجهين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وقبرص واليونان
والبرتغال وإسبانيا، وامتدت دائرة الفرار إلى جورجيا وتايلاند وسنغافورة وكوريا
الجنوبية وغيرها من دول العالم.
هؤلاء يفرون في موجة هجرة عكسية واسعة النطاق مع
زيادة المخاطر الأمنية وصواريخ المقاومة التي تتدفق على رؤوسهم منذ أكثر من 3
أسابيع.
هؤلاء يفرون في موجة هجرة عكسية واسعة النطاق مع
زيادة المخاطر الأمنية وصواريخ المقاومة التي تتدفق على رؤوسهم
ومع زيادة الموجة تعود إلى السطح مرة أخرى المخاوف
الإسرائيلية من انخفاض أعدادهم وتآكلها مقابل أعداد الفلسطينيين الذين يتزايدون
يوم بعد يوم سواء في الضفة وغزة أو داخل أراضي 1948.
ومع طول أمد الحرب وضخامة خسائرها النفسية
والمالية والاقتصادية بات المجتمع الإسرائيلي منقسما ما بين أشخاص سافروا بالفعل
وركبوا أول طائرة بغض النظر عن سعر التذاكر المرتفعة، وهؤلاء على الأغلب يحملون
جنسيات ثانية أو إقامات في دولة أخرى.
وآخرين يخططون للسفر إلى الخارج، وهؤلاء ربما
يؤجلون قرارهم بعض الشيء لأنهم يعتبرون سفرهم مغادرة نهائية لا رجعة فيها.
ولذا يبيعون كل شيء بعد أن أدركوا أن مستقبلهم ليس
في تلك البقعة من الأرض التي تم اغتصابها من أصحابها الحقيقيين قبل 75 سنة، وليست
في أرض الميعاد الحالمة.
ولذا يعمل هؤلاء حاليا وبكل جد على الفرار بكل ما
هو ثمين ونقل أصولهم وثرواتهم وأوراقهم المالية من سندات وأذون خزانة وأسهم من
إسرائيل إلى الخارج، وفتح حسابات مصرفية في أوروبا والولايات المتحدة لتحويل
أموالهم بالداخل إليها بعد "دولرتها"، أي تحويلها لدولار، وشراء عقارات
وأراضي خارج دولة الاحتلال.
ويحرص كل من الفريقين الأول والثاني على الفرار
وبحوزته أمواله ومدخراته وسنداته وأسهمه ودفتر شيكاته، فالقادم أسوأ، وخسائر
الاقتصاد الإسرائيلي فادحة.
يعمل هؤلاء وبكل جد على الفرار بكل ما هو ثمين
ونقل أصولهم وثرواتهم من إسرائيل إلى الخارج، وفتح حسابات في أوروبا وأميركا
والأسعار في طريقها للارتفاع سواء كانت سلعا أو
إيجارات أو خدمات، وهو ما يبرر استمرار تهاوي الشيكل لأدنى مستوياته منذ العام
2012، وتراجع أسعار الأسهم المدرجة في بورصة تل أبيب رغم مساندة البنك المركزي
القوية لأسواق المال والعملة عقب اندلاع الحرب وضخ 45 مليار دولار، حيث يبيع بعض
هؤلاء أملاكهم وعقاراتهم داخل إسرائيل، وربما يصفّون شركاتهم هربا من دولة باتت
عالية المخاطر بعد أن كانت تصف نفسها على أنها واحة الاستقرار وسط محيط عربي
مضطرب.
وهناك فريق ثالث يعكف على البحث بشكل جدي عن جواز
سفر أجنبي تمهيدا لمغادرة البلاد بشكل نهائي، وهؤلاء يخططون للفرار من إسرائيل في
أقرب وقت بعد أن يعثروا على ضالتهم سواء في جواز سفر دول الكاريبي أو غيرها.
هذا الفرار الجماعي اعترفت به صحيفة هآرتز haaretz قبل أيام والتي نشرت تقريرا بعنوان "محاربة حماس أو الهروب:
الإسرائيليون يفرون من البلاد خلال الحرب"، والذي يرصد رغبة الكثير من
الإسرائيليين في السفر بسبب خوفهم من تطورات الحرب على غزة، وما يحيط بها من مخاطر
بالنسبة لهم.
السفر الجماعي الحالي للإسرائيليين سبقته أيضا
موجة هجرة عالية منذ شهر نوفمبر 2022، أي بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وما
اعقبها من الكشف عن حكومة نتنياهو المتطرفة، ومحاولة فرض تعديلات تمثل اعتداء
صارخا على استقلال القضاء.
فوفق أرقام نشرها موقع "ميدل إيست
مونيتور"، في أكتوبر 2023، فإن "دائرة الهجرة البرتغالية أعلنت أن 21
ألف إسرائيلي تقدموا بطلبات للحصول على جنسيتها منذ بداية العام، ليحتلوا المرتبة
الأولى بين الجنسيات الأخرى.
الحرب أعطت انطباعا لسكان إسرائيل أن دولتهم ليست
واحة الاستقرار، وطالما وصل الانطباع للمواطنين فسيصل إلى المستثمر الأجنبي
ومع هذا العدد الذي يتكرر مع دول أخرى أصبحت مكاتب
الهجرة مقصداً لآلاف الإسرائيليين، وحدثت زيادة بنسبة 10% في عدد الاستفسارات
الجديدة المتعلقة بالجنسيات البرتغالية والألمانية والبولندية منذ تشكيل الحكومة
الحالية".
الأمر لا يتوقف على الهجرة العكسية الأخيرة من
داخل إسرائيل للخارج، إذ يبدو أن الموجة تزايدت في السنوات الأخيرة، فوفقا للأرقام
فقد بلغ إجمالي عدد الإسرائيليين الذين هاجروا إلى دول أخرى ويقيمون حاليا في
الخارج 756 ألفا نهاية عام 2020، وهو رقم كبير مقارنة بعدد سكان الكيان.
وبحسب أرقام دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية
فإن ما بين 572-612 ألف إسرائيلي يعيشون خارج البلاد، وهذا التقدير لا يشمل عدد
المولودين في الخارج.
الحرب الأخيرة أعطت انطباعا لسكان إسرائيل أن
دولتهم ليست واحة الاستقرار كما قيل لهم، وطالما وصل هذا الانطباع للمواطنين فإنه
سيصل إلى المستثمر الأجنبي الذي بات يفكر مائة مرة في الاستثمار داخل دولة هشة
أمنيا وسياسيا وحولتها صواريخ المقاومة خلال ساعات إلى ثكنة عسكرية رافقها استدعاء
360 ألفا من جنود الاحتياط، وتوجيه موارد الدولة لدعم المجهود العسكري، وهو ما
أربك المشهد الاقتصادي وسوق العمل برمته.