العدد 1546 /18-1-2023
أحمد موفق زيدان
بعد 12 عاماً من
الحرب المجنونة التي شنها النظام السوري بدعم مليشيات طائفية عابرة للحدود، وجيوش
أجنبية إقليمية ودولية جلبها واستقدمها لقتل الشعب السوري، أملاً في تثبيته بالحكم
على جماجم السوريين وعذاباتهم وتضحياتهم، يجد هذا النظام نفسه اليوم في مأزق
حقيقي، إذ قدّم كل ما لديه للمحتلين الذين استقدمهم، وبالتالي لم يعد لديه ما
يقدمه ويبيعه من وطن، بعد أن باع أصول الدولة وسلّمها للمحتلين؛ من موانئ ومطارات،
ومعادن، وغاز، وفوسفات.
وقد صل الأمر
بالمحتل الإيراني إلى أن يطالبه بالدفع المسبق لبراميل النفط قبل شحنها، ووصل
الأمر إلى مطالبته إيرانياً بمعاملة الإيراني كالسوري في كل شيء باستثناء المثول
أمام المحاكم السورية، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام
السوري، والتي وصلت إلى مستويات قياسية إن كان من حيث تدني قيمة الليرة السورية،
أو من حيث اختفاء السلع الأساسية وعلى رأسها النفط والمحروقات في شتاء سوريا
القارس، أو في قفز الفقر إلى مستويات جنونية بحيث وصل إلى نسبة 92 في المئة من
الشعب السوري.
قطار التطبيع
التركي- الأسدي لم يتمكن من الإقلاع من محطته الأولى، بعد أن رأى النظام السوري أن
الاستحقاق كبير. فالتركي على ما يبدو يستخدم التفاوض معه كورقة مساومة فقط مع
الأمريكييأتي هذا كله وسط محاصرة النظام السوري على المستوى الإقليمي والمحلي،
فقطار التطبيع التركي- الأسدي لم يتمكن من الإقلاع من محطته الأولى، بعد أن رأى
النظام السوري أن الاستحقاق كبير. فالتركي على ما يبدو يستخدم التفاوض معه كورقة
مساومة فقط مع الأمريكي، وتجلى ذلك بتأجيل وربما إلغاء لقاء وزير الخارجية التركي
مولود جاويش أوغلو مع نظيره السوري فيصل مقداد والذي كان مقرراً في أبو ظبي، وذلك
بعد أن أبدت واشنطن -على ما يبدو- تقديم تنازلات للطرف التركي فيما يتعلق بالملف
السوري، فذهب البعض إلى القول بأن الأمر قد يصل إلى إقامة منطقة موحدة ومعارضة
للأسد من جبل الزاوية إلى دير الزور، بحيث تكون تحت إدارة مستقلة موحدة مدعومة
أمريكياً، على أن تغيب عنها وجوه قيادات قسد التاريخية، وهو الأمر الذي لم يعلق
عليه أمريكياً ولا تركياً، سوى أصوات تركية تحدثت عن حلب بأن تكون الجائزة التركية
المقبلة، وذلك على أمل توطين اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب الروسية-
الإيرانية على مدى أكثر من عقد.
النظام السوري
الذي يعاني عزلة دولية وإقليمية وقبل هذا كله عزلة شعبية خانقة، لم يعد في مقدوره
أن يقوم بمهام الدولة، لا سيما في ظل تحكم وسيطرة المليشيات والفصائل على معابر
دولته باتجاه الدول المجاورة، وربما هو فرِحٌ بتسليم بعض المعابر لمليشياته ليقوم
بتصدير الكبتاغون من خلالها، فضلاً عن زراعة الفوضى ونشرها في الدول المجاورة التي
يريد الانتقام منها، بحجة دعمها الثورة السورية طوال تلك الفترة.
الواقع الاقتصادي
الذي يعانيه النظام السوري تكشّف خلال الشهرين الماضيين في ضعف رده على العمليات
الهجومية للفصائل السورية إن كان في ريف حلب أو في ريف إدلب، وحتى في ريف
اللاذقية، وهو ما شكل له حالة انهيار بمعنويات جنودهومع اكتساب النظام السوري
الصفة العالمية الجديدة وهي ملك المخدرات، انتقلت سوريا في ظل حكمه من دولة عبور
للمخدرات إلى دولة منتجة لها، بحيث أغرقت دولاً عربية وغربية بها، وهو ما جعله
أمام العالم كله هدفاً للحرب القادمة المشنة عليه. إذ قدرت بعض الأوساط البحثية
الغربية عائدات المخدرات على النظام السوري السنوية بأكثر من 57 مليار دولار،
بينما نسبة المضبوطات من هذه المخدرات والتي تعلن عنها الدول بين الوقت والآخر لا
تتعدى نسبة 10 في المئة من الكميات التي تصل إلى أهدافها في أوروبا وأفريقيا وحتى
شرق آسيا، فضلاً عن المنطقة العربية.
ليس هناك سياسي
عاقل بإمكانه أن يتعامل مع طاغية حاز على كل هذه الألقاب من ملك المخدرات إلى ملك
البراميل المتفجرة، إلى ملك الكيماوي وغيرها من ألقاب السوء.. الأسد انتهى وعلى
الكل التحضير لمرحلة ما بعدهاللافت أن الحليف الروسي لم يرد على هذه الهجمات،
بالإضافة إلى أن الإيراني مشغول بحالته الداخلية وثورته في إيران، وكذلك انشغاله
في تغيير الخريطة الديمغرافية في سوريا، وحتى تغيير معالم البناء السوري كما يحصل
اليوم في المسجد الأموي في حلب، وتغيير أقواس، وقناطر النوافذ من هندسة معمارية
أموية إلى هندسة فارسية كسروية، وهو ما أشار إليه مهندسون مختصون مقيمون في حلب ذاتها.
الأسد انتهى إلى
غير رجعة، وما على العالم والشعب السوري والثورة السورية إلا أن تستعد لليوم
الرحيل الأول، فليس هناك سياسي عاقل بإمكانه أن يتعامل مع طاغية حاز على كل هذه
الألقاب من ملك المخدرات إلى ملك البراميل المتفجرة، إلى ملك الكيماوي وغيرها من
ألقاب السوء.. الأسد انتهى وعلى الكل التحضير لمرحلة ما بعده.