العدد 1662 /7-5-2025

عبد الله البشير

شهدت محافظة السويداء السورية، الثلاثاء، سلسلة أحداث عنف دامية، تزامنت مع جريمة قتل غامضة، لترسم صورة قاتمة عن واقع معقد تتداخل فيه الخلافات المحلية مع انعكاسات الأزمات المستمرة، بين اشتباكات مسلحة أودت بحياة مدنيين، وجثة تكتشف في ساعات الفجر الأولى، تبرز تساؤلات عن مستقبل منطقة تصارع من أجل الحفاظ على هشاشة استقرارها.

اشتباكات الدور.. من الكلمة إلى الرصاصة

لم تكن ساعات ظهيرة الثلاثاء عادية في بلدة الدور الواقعة بريف السويداء الغربي، حيث تحول خلاف كلامي بين مجموعة من الأهالي وعناصر من جهاز الأمن العام من أبناء المحافظة إلى مواجهات مسلحة أسفرت عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى، وفقًا لمصادر محلية.

وبدأت الواقعة عند الحاجز الذي تشرف عليه مجموعات مسلحة محلية بقيادة ناجي الشعراني، أثناء عودة عناصر الأمن العام من منطقة قريبة من بلدة بصر الحرير بريف درعا الشرقي، برفقة شابين من أبناء السويداء كانا محتجزين بعد إصابتهما خلال محاولة الوصول إلى بلدة أشرفية صحنايا قبل أيام.

وفي الخصوص، قال مصدر من القرية إن المشادة الكلامية التي جمعت بين مؤيدي جهاز الأمن العام ورافضيه، سرعان ما تحولت إلى تبادل لإطلاق النار، ليصبح الحاجز المسلح ساحة لاقتتال دامٍ انتهى بمقتل مروان سليمان الشعراني (61 عامًا)، وتمام عصام الشعراني (29 عامًا)، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. ولم تكن المشاهد الدموية سوى فصل جديد من فصول أزمة متكررة في المنطقة، حيث تتصاعد الاحتقانات بين الأجهزة الأمنية والمجموعات المسلحة المحلية، في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة الملف الأمني.

وفي السياق، أشارت وكالة "سانا" الرسمية لتعرض آليات تابعة لإدارة الأمن العام لكمين نفذته مجموعات مسلحة توصف بـ"الخارجة عن القانون" تابعة للمجلس العسكري، أثناء نقلها مصابين من أبناء المحافظة الذين أصيبوا خلال اشتباكات بلدة الصورة الكبيرة الأسبوع الماضي، بعد تسلمهم من درعا حيث كانوا يتلقون العلاج. وقالت الوكالة إن الهجوم أسفر عن مقتل عنصرين وإصابة أربعة آخرين، معتبرة ذلك تصعيدًا يخدم سياسة "المراوغة والخداع" التي قالت إن المجموعات تنتهجها بهدف تقويض الاتفاقات الموقعة بين الحكومة والزعامات المحلية.

ومع إشاعة أنباء الاشتباكات، سارع شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ حمود الحناوي، والوجيه الاجتماعي عاطف هنيدي، إلى بلدة الدور رفقة وفد من الأهالي، في محاولة لاحتواء التداعيات. وأكد المصدر أن "محاولات فض النزاع لا تزال مستمرة"، بينما أشار إلى أن الإفراج عن الشابين المحتجزين وتسليم جثث ثلاثة شبان قتلوا في أحداث بلدة براق قبل أيام، ساهما في تخفيف حدة التوتر، بل ومهّدا لفتح طريق دمشق-السويداء بشكل تدريجي، حيث شهد الطريق حركة نقل محدودة لمركبات الخضر والركاب.

جريمة الرحى.. جثة أمام بئر المياه وأسئلة بلا إجابات

وفي منعطف آخر من العنف، اكتشف فجر الثلاثاء جثمان الشاب عامر رامز أبو غازي (33 عامًا) أمام غرفة حراسة بئر المياه رقم (4) غرب بلدة الرحى. ووفقًا لشبكة "الراصد" المحلية في السويداء، فإن مصادر طبية من مشفى السويداء قالت إن سبب الوفاة كان طلقة نارية اخترقت صدره مباشرة نحو القلب، في عملية "مقصودة" حسب الشبكة.

وأضافت الشبكة على لسان المصادر الطبية، أن طبيعة الإصابة تشير إلى قرب المسافة بين الجاني والضحية وتشي بنية مبيتة للقتل، لكن اللغز الأكبر يتمثل في العثور على بندقيته الشخصية التي كان يستخدمها لحماية البئر بجانب الجثة، بينما كان هاتفه المحمول مدمَّرًا بشكل كامل، ما يفتح الباب لتكهنات حول محاولة طمس أدلة الجريمة أو منع الوصول إلى معلومات حاسمة.

ويشير الناشط المدني عبد الله الأحمد إلى أن عامر أبو غازي لم يكن مجرد حارس بئر مياه، بل كان من الأسماء البارزة في الحراك الشعبي الذي شهدته ساحة الكرامة في أغسطس/ آب 2023، حيث نقل عنه تأييده لشعارات "سورية حرة موحدة"، ما أكسبه لقب "جيفارا" بين أقرانه. وأكد أنه "لم يسجل ضده أي خصومات أو مشاكل مع أطراف أخرى"، ما يزيد من غموض دوافع الجريمة.

وفي ظل التحقيقات الجنائية الجارية، تبرز نظريتان رئيسيتان حول جريمة قتل أبو غازي، الأولى تربطها بمواقفه السياسية المعارضة، خاصة مع سجله في الحراك المناوئ للنظام، لكن غياب أي سوابق عدائية، بحسب ما قال أحد أقاربه لـ "العربي الجديد"، يدفع نحو احتمال آخر أن تكون الجريمة جزءًا من حسابات أوسع في منطقة تشهد تصاعدًا ملحوظًا في حدة التوترات بين المكونات المختلفة.

تداعيات إقليمية.. طريق دمشق-السويداء

وعلى الرغم من الإفراج عن المحتجزين وفتح الطريق الرئيسي، تبقى الأجواء في السويداء محفوفة بالمخاطر، فالإغلاق المتكرر للطريق الذي يعد شريانًا حيويًا لتأمين الغذاء والسلع يعكس هشاشة التوازنات القائمة، حيث تتحكم الخلافات العشائرية والأمنية بحركة المدنيين. وتنقلت يوم الثلاثاء بعض حافلات الركاب وشاحنات الخضر تحت حراسة مشددة.

وتكشف الأحداث الأخيرة عن تناقض صارخ في تعامل المجتمع المحلي مع الأزمات. فمن ناحية، تلعب الزعامات العشائرية والدينية دورًا محوريًا في احتواء الصراعات كما في حالة تدخل الحناوي وهنيدي، وهو نمط يعكس ضعف المؤسسات الرسمية. ومن ناحية أخرى، يظهر تصاعد العنف المسلح كيف يمكن لخلافات بسيطة أن تتحول إلى مذابح في غياب آليات حل نزاعات فعالة.