العدد 1659 /16-4-2025

أثار قرار السماح بتصدير المواشي موجة استياء واسعة بين المواطنين في سورية، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون، خصوصاً بعد ملاحظة ارتفاع ملحوظ في أسعار اللحوم في الأسواق المحلية، ما زاد من الأعباء اليومية على كثير من العائلات. حيث أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الماضي، تحميل أول شحنة من المواشي عبر مرفأ طرطوس، مؤلفة من 5 آلاف و900 رأس غنم، معتبرة الخطوة بداية لتعافي قطاع التصدير وفق ما نشرته على منصتها على تليغرام، إلا أن هذه الخطوة قوبلت بتخوف شعبي واسع من انعكاساتها السلبية على السوق المحلية.

وقال خالد اليسوف، مواطن يقيم في حماه، إنه لم يعد قادراً على شراء اللحوم ومنها لحم الغنم بعد أن تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد 140 ألف ليرة سورية (نحو 13 دولاراً)، مضيفاً: "كنا نشتري اللحم مرة كل أسبوعين، أما اليوم فلا يبدو أننا سنراه إلا في المناسبات، فالتصدير زاد الطين بلة". وطالب الحكومة السورية بمراقبة الأسعار محلياً واتخاذ قرارات مرنة بما يحقق التوازن بين دعم المربيين وتنشيط التصدير من جهة، وضمان توفر اللحوم بأسعار مناسبة للمواطنين من جهة أخرى.

وفي أحد أسواق حلب القديمة، تقف منيرة النجم، ربة منزل في الأربعينات من عمرها، تتفحص قطع اللحم المعروضة خلف الواجهة الزجاجية، تسأل عن الأسعار، ثم تهز رأسها بحسرة وتبتعد، ثم تقول: "الأسعار في ارتفاع دائم، حتى العظم أصبح غالياً، حيث اشتريت كيلو من العظم يحتوي القليل من اللحم بثمانين ألف ليرة سورية، لنطهو عليه شوربة يقتات بها أطفالنا". ومنيرة التي تعيل خمسة أبناء بعد وفاة زوجها، ترى أن تصدير المواشي "قطع أرزاق الفقراء"، وتقول إن الحكومة "لا تفكر في الناس البسطاء، فقط تريد أن تدخل دولارات إلى البلد".

أما إياد عموري الذي يعمل في تربية المواشي، فقد وجد نفسه مضطراً لبيع قسم من قطيعه لتأمين مستلزمات الحياة، يقول للعربي الجديد: "كنا نربي الغنم حتى نعيش منها ونأكل من خيرها، اليوم أبيعها للتجار للتصدير بأسعار مغرية، وأشتري اللحوم في السوق بأسعار مرتفعة". من جانبه، قال نبيل الغنم، صاحب ملحمة في مدينة إدلب، إن تصدير الذكور من الأغنام تحديداً يؤثر على التوازن الطبيعي للإنتاج، ويقول: "نشتري اللحم من المسالخ بأسعار مرتفعة، ولم يعد الزبائن يدخلون المحل، فالطلب على اللحوم الحمراء انخفض بسبب الأسعار، بينما ارتفع الطلب على لحوم الدجاج والمجمدات باعتبارها بدائل أرخص.

ويشير إلى أن الحكومة تسعى لدعم المربين وكسب العملة الأجنبية عبر تصدير اللحوم، ويتساءل: "من يدعمنا نحن، ومن يفكر بالمواطن الذي أصبح كيلو اللحم الأحمر حلماً بالنسبة إليه؟". ويبدو أن هذه التساؤلات وغيرها لن تختفي ما لم تترافق قرارات التصدير مع سياسات حقيقية لضبط الأسعار ودعم الأمن الغذائي، في وقت تتسع فيه الفجوة بين الدخل وتكاليف الحياة اليومية.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي حسام البكري أن تصدير المواشي في ظل نقص الأعلاف وارتفاع كلف التربية سيساهم في تقليص المعروض داخل البلاد، ما يرفع الأسعار ويزيد من الأعباء المعيشية، معتبراً أن التصدير في هذه المرحلة قد يضر أكثر مما ينفع. وأضاف لـ"العربي الجديد" أنه حين تُصدَّر كميات كبيرة من اللحوم، سوف يقل عددها بشكل تلقائي في السوق المحلية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة قانون العرض والطلب، وهذا يفاقم من معاناة المواطنين الذين تآكلت قدرتهم الشرائية في بلد يعاني من أزمات معيشية، ويعتبر أن تصدير المواد الغذائية الأساسية كاللحوم مخاطرة على الأمن الغذائي، حيث يحرم السكان من سلعة مهمة لتأمين البروتين.

وحذر من أن تصدير اللحوم يغري بعض التجار باحتكار الإنتاج لتحقيق أرباح أكبر من خلال التصدير بدلاً من البيع في السوق المحلية، ما يعمق الأزمة، ويفضي إلى تراجع عدد رؤوس الماشية، خاصة إن لم يعوض التصدير بجهود دعم الإنتاج المحلي، وبالتالي يؤثر على التوفر المستقبلي للحوم. وطالب الحكومة بمراجعة قرار التصدير أو على الأقل فرض قيود مشددة عليه، وربطه بآليات دعم السوق المحلية، وتوفير اللحوم بأسعار مدعومة لذوي الدخل المحدود.