العدد 1640 /27-11-2024

مراد بطل الشيشاني

مع فوز دونالد ترامب الساحق في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بات الحديث عن إمكانية ضمّ إسرائيل الضفة الغربية أكثر شيوعاً، ويدعم ذلك تعيين ترامب مسؤولين ورسميين يحملون هذه الرؤية، وفي مقدمتهم السفير الأميركي المُعيّن لدى إسرائيل، مايك هاكابي، كما تدعمه هيمنة اليمين الإسرائيلي على الخطاب والسياسة في دولة الاحتلال، ما يبقي بنيامين نتنياهو الحلَّ الوحيد لاستمرار التحالف الحكومي، ويُغيّب البديل. من ثم، بدأ اليمين الإسرائيلي (المتأرجح بين بن غفير وسموتريتش) بإعادة إنتاج هذا الخطاب المرتبط بضمّ الضفة، وبتقديم خطاب "إسرائيل في دولة واحدة" مرّة أخرى.

وفي الجانب الفلسطيني، هناك من يقدّم أدلته على أن مشروع الضمّ قد بدأ منذ 1967، وليس وليد فوز ترامب بولايته الجديدة والأخيرة، وتأكيد ذلك من خلال تتبّع الاستيطان الذي تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 180%، كما يُؤكّده مكتب تمثيل الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وقطاع غزّة، فسجّل عام 2023 ارتفاعاً في بناء الوحدات السكنية للمستوطنين فاقت عام 2022، الذي اعتُبِر أكثر الأعوام توسيعاً للمستوطنات منذ 2012.

إضافة إلى ذلك، قسّمت اتفاقية أوسلو (1993) الضفة الغربية بين مناطق ثلاث: "أ"، وتشكّل 21% من أراضي الضفة، وتخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية إدارياً وأمنياً، و"ب"، 18% من أراضي الضفة، وتخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية، لكنّها تخضع أمنياً لسيطرة إسرائيل، و"ج"، التي تبلغ مساحتها 61% من أراضي الضفة، وتخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية أمنياً وإدارياً، بمعنى أن إسرائيل تسيطر عملياً على الضفة الغربية سيطرةً مدعومةً بمداهمات واعتقالات، وجعل الواقع غير قابل للحياة والتنقّل عبر "المحاسيم" (جمع مُعرّب لـ"محسوم"، وهي نقطة التفتيش بالعبرية).

عاملان أساسيان يجب أن يؤخذا بالاعتبار حين البحث في فرض الضمّ المباشر للضفة الغربية بأثر ترامب، إذ عارضت إدارة هذا الأخير الضمّ في آخر أيام ولايته الأولى، كما أنه عائد في 2024 بشخصية تقترب أكثر من المؤسّسة السياسية، عمّا كان عليه بين 2016 و2020، ولا يعني هذا طبعاً (في أيّ حال) أن هناك أيّ ضمانات بأن سياساته ستكون في صالح الفلسطينيين، لكنّه سيكون أكثر حسماً من سلفه الذي ميّع قدرة الحزب الديمقراطي في اتخاذ قرارات مؤثّرة في السياسة الخارجية، وتحديداً في غزّة.

في سياق هذا الواقع الصعب في الضفة الغربية، يكرّر بعضهم سيناريو التهجير، كما جرى في حالة غزّة منذ بدأ الحرب فيها منذ أكثر من عام، لكنّ سيناريوهات التهجير قد يصعُب تطبيقها لعوامل جيوبوليتكية وقانونية وسياسية. ومن ثم، ستزيد إسرائيل (وكما فعلت في غزّة) الضغط العسكري والأمني والسياسي في الضفة الغربية، لكنّ هذا سيقرّب أيضاً من خطوط التماس بين الفلسطينيين والجيش والأمن الإسرائيليَّين، فالحالة المرسومة اليوم، منذ الانتفاضة الثانية وتزايد العمليات الانتحارية آنذاك، أن إسرائيل تحاصر الضفة الغربية (والقطاع بطبيعة الحال) بجدران فصل، وتشجيع الاستيطان، وبإدارة أمنية دقيقة، وتدخّل عسكري "محدود" يستجيب للأمني والسياسي. ومن ثم، لا تستدعي هذه "الهندسة الأمنية" تماسّاً مباشراً بالفلسطينيين (انظر إلى بوابات دخول الآليات العسكرية في قرى الضفة الغربية، التي تغلق على نفسها بعد انتهاء المهمّة العسكرية في حالة وجود توتّرات أو ما شابه، أو مثلاً المُسيّرات التي يستخدمها الجيش في الضفة الغربية)، ولكن في حالة الضمّ المباشر، سيلعب هذا التواصل اليومي دوراً أساساً في رفع الكلفة الأمنية على إسرائيل من الفلسطينيين، فحال المجموعات المسلّحة في الضفة الغربية انحصر في مجموعات شبابية متفرّقة ذات طابع مناطقي (فرضته في أحيانٍ كثيرة السياسات الإسرائيلية)، وحديث عن دعم إيراني، وضغط على السلطة الوطنية وتنسيقها. في حال الضمّ المباشر، فإن تماس الشابّ الفلسطيني سيكون مباشراً مع الجندي الإسرائيلي أو المستوطن، ويعيد التفكير في خروج المجموعات المسلّحة من نطاقاتها المناطقية وتوسيع شبكتها، أو قد يدفع بإنتاج حركة حماس جديدة، إذا ما كان سيناريو غزّة (كما يحذّر كثيرون) سيطبق في الضفة الغربية.

لعلّ في مثال قرية العيسوية، الرابضة على تلّ من تلال القدس الشرقية، وتشهد عنفاً يومياً متواصلاً وإن كان محدوداً في حجمه، ما يدلّل على ذلك، وهي من المناطق المقسومة إداريّاً بين منطفة "ج" وبلدية القدس، الأمر الذي يفرض احتكاكاً وتماسّاً مع الأمن والشرطة الإسرائيليَّين، فيبقي "العنف" مستمرّاً، وإذا ما زاد التماس ازدادت أشكال التعامل معه. ولعلّ من سيتولّى هذا الملفّ في إدارة ترامب يراعي هذه التفاصيل اليومية في حياة الفلسطينيين، لأن (وممّا عرفناه لاحقاً) صهره جاريد كوشنر لم يطّلع عليها حين كان يُعدّ "صفقة القرن".