العدد 1678 /27-8-2025

أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، وهو الأكبر في العالم، عن سحب استثماراته من مؤسّسات أميركية وإسرائيلية لاستخدامها في حرب إبادة غزة، في وقت تزيد فيه دول عربية من تجارتها مع الاحتلال. ولم تتوقف ردّات الأفعال على حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل وداعموها على المقاطعة لمنتجاتهم، بل امتدت لتصل إلى سحب الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تستخدم في هذ العدوان.

وفي هذا السياق، قال صندوق الثروة السيادي النرويجي وهو الأكبر في العالم بإجمالي أصول قيمتها تريليونَي دولار، أول من أمس الاثنين، إنه قرّر التخارج من مجموعة معدات البناء الأميركية كاتربيلر بالإضافة إلى خمس مجموعات مصرفية إسرائيلية لأسباب أخلاقية، وذكر الصندوق في بيان أن المصارف الإسرائيلية هي "هبوعليم" و"بنك لئومي" و"بنك مزراحي طفحوت" و"البنك الدولي الأول لإسرائيل" و"إف.آي.بي.آي هولدينغز".

وقال الصندوق، الذي يديره البنك المركزي النرويجي، إن هذه المجموعات استُبعدت "بسبب وجود مخاطر غير مقبولة من مساهمة هذه الشركات في انتهاكات جسيمة لحقوق الأفراد في أوضاع الحرب والصراع". وتظهر سجلات الصندوق أنه كان يمتلك قبل التخارج حصة قدرها 1.17% في كاتربيلر بقيمة 2.1 مليار دولار حتى 30 يونيو/ حزيران الماضي. وتشير بيانات الصندوق أيضاً إلى أنّ قيمة حصصه في البنوك الإسرائيلية الخمسة مجتمعة كانت تبلغ 661 مليون دولار حتى 30 يونيو.

معدات بناء تستخدم في التدمير

قال مجلس الأخلاقيات التابع للصندوق النرويجي إنه "وفقاً لتقييم المجلس، لا شك في أن منتجات كاتربيلر تُستخدم في ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية للقانون الدولي الإنساني"، وأضاف "السلطات الإسرائيلية استخدمت (الجرافات التي تصنعها شركة كاتربيلر) في عمليات هدم غير قانونية وواسعة النطاق للممتلكات الفلسطينية"، وأشار المجلس إلى أنّ الانتهاكات تحدث في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، مضيفاً أن "الشركة لم تنفذ أيضاً أي تدابير لمنع هذا الاستخدام".

ومضى يقول: "بما أنّ من المقرّر الآن استئناف تسليم الآليات ذات الصلة إلى إسرائيل، يرى المجلس أنّ هناك خطراً غير مقبول بأن تساهم شركة كاتربيلر في انتهاكات خطيرة لحقوق الأفراد في حالات الحرب أو النزاع". وحسب الملف التعريفي للشركة، تقوم كاتربيلر بتصنيع وبيع معدات البناء والتعدين، ومحركات الديزل والغاز الطبيعي للطرق الوعرة وتوربينات الغاز الصناعية، وقاطرات الديزل والكهرباء، وغيرها من الخدمات في هذا مجال الإنشاءات في جميع أنحاء العالم، وتأسست الشركة في عام 1925 ويقع مقرّها الرئيسي في إيرفينغ، تكساس.

بنوك وشركات تمول الحرب

وفي بيانه، أعلن الصندوق النرويجي أنّه انسحب أيضاً من خمسة بنوك إسرائيلية متّهمة بتمويل بناء مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، حسب فرانس برس. وكان الصندوق أعلن في مطلع آب/أغسطس الجاري التخلي عن استثماراته في 11 شركة إسرائيلية لتورّطها في الحرب الدائرة في غزة.

وحسب رويترز، يتولى المجلس، وهو هيئة عامة أنشأتها وزارة المالية، مسؤولية التحقق من التزام الشركات المدرجة في محفظة الصندوق بالمعايير الأخلاقية التي وضعها البرلمان النرويجي. ويستثمر الصندوق في 8400 شركة تقريباً حول العالم. ويقدّم المجلس توصيات إلى مجلس إدارة البنك المركزي، الذي يملك القول الفصل.

ووافق مجلس إدارة البنك على توصية مجلس الأخلاقيات، وكان الصندوق أعلن في 18 أغسطس/ آب الجاري أنه سيسحب استثماراته من ستّ شركات إسرائيلية في إطار مراجعة أخلاقية جارية بشأن الحرب في غزة والتطورات في الضفة الغربية، لكنه رفض في ذلك الوقت تسمية أيٍّ منها.

وسبق للصندوق النرويجي أن اتخذ قرارات بيع كاملة في حالات مشابهة؛ ففي مايو/أيار الماضي باع جميع حصصه في شركة "باز" الإسرائيلية للوقود بسبب امتلاكها محطات في المستوطنات، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي تخلص من كامل أسهمه في شركة الاتصالات "بيزك" للسبب نفسه.

خسائر اقتصادية باهظة

وكبدت الحرب على غزة إسرائيل خسائر اقتصادية ومالية باهظة قدرها محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، بنحو 253 مليار شيكل (67 مليار دولار) من التكاليف الدفاعية والمدنية بين عامَي 2023 و2025 وفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل". وحذر يارون من أن تكاليف الحرب الأمنية والمدنية "كبيرة" وتُشكل عبئاً على الموازنة، وتوقع أن تشهد موازنة الأمن المستقبلية نمواً مستمراً وأن يكون لها تأثير على الاقتصاد الكلي.

ويأتي ذلك، مع ترجيحات بخسارة إسرائيل ما يقرب من 400 مليار دولار من نشاطها الاقتصادي في السنوات العشر المقبلة بسبب الحرب، في ظل تراجع الاستثمار، وتدهور سوق العمل، وفقدان الإنتاجية، والانحدار الاقتصادي، حسب دراسة "تكاليف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" التي أعدتها سابقاً مؤسسة راند البحثية الأميركية.

وكانت صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية أكدت منتصف الشهر الجاري أنّ 23 اقتصادياً بارزاً من جامعات في أميركا وأوروبا، بينهم 10 من الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد، وجهوا رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذروا فيها من أن "السياسات الحالية في قطاع غزة ستقود إلى عواقب اقتصادية كارثية"، وأشارت الصحيفة إلى أن التحول في سلوك المستثمرين يعكس فقدان الثقة العميق، وهو ما يضعف قدرة الحكومة على استقرار الأسواق.

وفي ظل تفاقم الأزمات المالية للاحتلال، اضطرات الحكومة الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، على المصادقة على رفع العجز المالي للموازنة العامة للمرة الخامسة منذ اندلاع الحرب على غزة بالتوازي، إذ ستقفز نسبة العجز الفعلية من 4.9% إلى 5.2%.

وفي مقابل انسحابات المستثمرين ورؤوس أموال أوروبية من إسرائيل، أقبلت دول عربية منها مصر والإمارات على زيادة تجارتها مع الاحتلال، إذ أبرمت حكومة القاهرة على سبيل المثال أكبر صفقة استيراد غاز من الاحتلال بقيمة 35 مليار دولار. وجاءت الإمارات في المرتبة الأولى في حجم التجارة مع إسرائيل يليها الأردن ومصر والجزائر والمغرب والبحرين، إذ أفادت البيانات الشهرية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل، بأن حجم الصادرات والواردات بين إسرائيل وهذه الدول ظلّ إيجابياً إلى حد ما على مدى العام الماضي.