العدد 1466 /16-6-2021
لم
تتحمل فداحة الكارثة، فعدم السماح لها بالدخول إلى إحدى المستشفيات بسبب ارتدائها
"شورت" الأمر الذي اعتبرته إدارة المستشفى لباساً فاضحاً دفعها لفتح بث
مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأطلقت من خلاله نداء استغاثة لإنقاذها مما
وصفته الاحتلال الإيراني. استنجدت الشابة بمن يتابعونها شارحة لهم المصيبة التي
حلّت بها. صرخة الشابة لم تلقَ صدى من أصدقائها ومعارفها فقط، بل امتدت لتشمل
شرائح واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي من ناشطين وقادة رأي اعتادوا الانقضاض
على قضايا مماثلة والمتاجرة بها. هي ليست المرة الأولى التي يرفع فيها البعض الصوت
مما يعتبرونه تضييقاً على الحريات الشخصية، ومحاولة لتغيير وجه لبنان المنفتح والـOpen mind والمتصدّر بين الدول
العربية في اللّحاق بثقافة الغرب. ففي بعض المناطق لاسيما في الجنوب تفرض البلديات
على رواد الشواطئ حداً أدنى من الاحتشام وتمنع ارتداء لباس فاضح، كما تمنع بيع
المشروبات الكحولية في المحال العامة. هذه الإجراءات تلقى سخرية وانتقاداً من البعض
الذين يعتبرون هذه الإجراءات تخلّفاً، ولا تعكس وجه لبنان الحضاري المحبّ للحياة
والفرفشة والنوادي الليلية والبارات والسهرات والضهرات..
ما لا
تعرفه الشابة المكلومة بسبب منعها من دخول المستشفى لارتدائها "شورت"،
هو أن التضييق الذي تعاني منه، عانت وتعاني أخريات مما هو أكثر منه، وأكثر إيلاماً
ووقاحة مما تعرضت له.
ربما
لا تعرف الشابة الغاضبة أن العديد من المسابح في لبنان ترفض دخول المحجبات إليها،
وبعضها الآخر لا يسمح لهن بالسباحة في بركها. الحديث هنا ليس فقط عن المسابح الخاصة،
فبعض المسابح الشعبية المملوكة للدولة والخاضعة لإدارة البلديات تمنع كذلك تواجد
المحجبات على شواطئها العامة، وتطردهن بوقاحة وعنصرية لا مثيل لها. ليس هذا فحسب،
بل إن أحد المسابح الذي يديره جهاز رسمي يُعتبر رمزاً للوحدة الوطنية ويحظى بثقة
معظم اللبنانيين هو أيضاً يمنع المحجبات من السباحة فيه، لكن أحداً لم يسمع بذلك
حرصاً على صورة وهيبة هذا الجهاز.
هل
تعرف الشابة التي جُرح شعورها لمنعها من دخول المستشفى بسبب لباسها أن المحجّبات
في لبنان وحتى يومنا هذا ممنوعات من دخول سلك القضاء ولو كنّ أفقه من عبد الرزاق
السنهوري. هذا المنع لا يتمّ بخجل، بل بقرار رسمي من السلطة القضائية التي تبرّر
الأمر بأنه حرص على استقلالية القاضي وعدم وجود مؤشر لانحيازه لدين أو طائفة، في
الوقت الذي يعرف الجميع أن معظم القضاة الذين ينتمون لطوائف أخرى يضعون إشارات تدلّل
على طوائفهم، ولم نسمع من شكّك بنزاهتهم.
هل
تدرك الشابة الغاضبة أن إحدى العوائل أثناء قضائها "سيراناً" في إحدى
المناطق الجبلية تمّ الاعتداء على أفرادها بالطعن والضرب والشتم والطرد، فقد لأن
نساء هذه العائلة محجبات. هل سبق لها أن سمعت بأن شيخاً نظّم رحلة ترفيهية
لتلاميذه وعوائلهم قبل سنوات إلى إحدى المناطق الثلجية، فتمّ قطع الطريق أمامهم من
نواب المنطقة وبلديتها وفعالياتها وأبنائها رافضين مرور حافلات الشيخ وتلامذته،
ولم نسمع صوتاً يحتجّ على ما حصل.
هل
تعلم الشابة الغاضبة أنّ المحجبات في لبنان يتمّ رفضهنّ من الكثير من الوظائف،
ويتم إبلاغهنّ بوقاحة أن السبب هو ارتداؤهن الحجاب. هل سمعت بالحملة البشعة التي
أطلقها ناشطون قبل أشهر احتجاجاً على صورة تمّ تداولها لممرضات محجبات كنّ يتصدّين
لجائحة كورونا ويعرّضن أنفسهنّ لخطر الإصابة، وعِوض توجيه الشكر لهنّ تم انتقاد حجابهنّ.
إذا
كان التضييق مرفوضاً، فهو مرفوض بالمطلق، تجاه التي تلبس "شورت" وأيضاً
تجاه المحتشمة والملتزمة. إذا رفعت شابة غاضبة صوتها لمنعها يوماً ما من دخول
مستشفى، فللمحجبات في لبنان أن يغضبن كل يوم وأن يصرخن كل ساعة للتضييق الذي
يلاقينه أينما توجّهن.
أوّاب
إبراهيم