العدد 1616 /5-6-2024
ايمن حجازي
مضت أشهر على مبادرة كتلة الإعتدال الوطني لحل
مشكلة الشغور الرئاسي اللبناني ، وجاء دور كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة تيمور
جنبلاط كي تقدم مبادرة بديلة لتمضية الوقت الضائع من عمر الأزمة اللبنانية الحالية
. وقد تلت هذه المبادرة الإشتراكية ، زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف
لودريان الى بيروت ولقائه مع عدد من الساسة والقادة اللبنانيين والتباحث معهم في آخر تطورات الساحة اللبنانية
. وكانت المبادرة الأخيرة قد أعقبت
زيارتين للزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط الى قطر وفرنسا تم التداول فيهما بالموضوع
الرئاسي المأزوم وقيل فيه الكثير عن أسماء وصيغ إنتخابية طرحت للخروج من عنق
الزجاجة اللبنانية التي أفرغت قصر بعبدا من سيده المفترض .
صحيح أن المكانة السياسية الدولية والمحلية لوليد
جنبلاط هي التي رشحته للقيام بهذا الدور المحوري ، ولكن الصحيح أيضا أن الرجل عمل
جاهدا لصناعة موقع سياسي وسطي منذ بضعة سنوات . ما مكنه من إبقاء قنوات الإتصال
مفتوحة مع جميع الحلفاء والخصوم والمنافسين دون استثناء . ويلاحظ ان الماكينة
السياسية الجنبلاطية لم تتحرك ببطء من خلال فريق واحد ، بل إن الإتصالات قد جرت
بشكل متزامن ومتواز من خلال عدة وفود توزعت على الفرقاء السياسيين المحليين .
ويقال في هذا الصدد ان ضوءا أخضرا دوليا قد أعطي لجنبلاط للقيام بهذه المهمة
الجليلة . كما يسجل توجه وفود موسعة الى القادة اللبنانيين في حين أن النائب
والوزير السابق غازي العريضي توجه منفردا الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والى
المعاون السياسي لأمين عام حزب الله الحاج حسين خليل وكأنه يضعهما في أجواء تحرك
سبق التداول به بين الجانب الجنبلاطي وبين الثنائي الشيعي الذي يطرح الزعيم
الزغرتاوي سليمان فرنجية كمرشح وطني يطمئن المقاومة اللبنانية في مواجهة الأطراف
الخارجية والمخاطر الدائمة التي تتربص بهذه المقاومة . وكان النائب أكرم شهيب قد
قال في أعقاب زيارة وفد الحزب التقدمي الإشتراكي الى رئيس حزب القوات اللبنانية
سمير جعجع بأن التداول لا يتم بالأسماء المرشحة للرئاسة العتيدة بل بالصيغ التي
يفترض أن تفضي الى انعقاد جلسة إنتخابات رئاسية منجزة لا يعترض عليها أحد وتراعي
كافة الجوانب الدستورية المتوجبة .
هل تمتلك هذه المبادرة حظا من النجاح ؟
الكثيرون يشككون في ذلك ، ويعيدون شكوكهم تلك الى
أن الظروف الإقليمية والدولية وفي مقدمتها حرب غزة لا تتيح الفرصة لنجاح تلك
المبادرة . ولكن قلة قليلة من المراقبين السياسيين والإعلاميين يرون فيها بصيص أمل
لا ينبغي إهماله وأن العواصم الدولية المهتمة بالشأن اللبناني قد تجد في هذه
المبادرة مدخلا لتهدئة الجبهة اللبنانية - الصهيونية المتفجرة بين جنوب لبنان
وشمال فلسطين المحتلة . ما يشكل مطلبا اسرائيليا ملحا يتيح للصهاينة التفرغ لمعركة
غزة المحتدمة والتي تكاد تكمل شهرها الثامن بكل ما لها من وجوه توحش وعنصرية لا
إنسانية تطبع السلوك الصهيوني على أرض غزة الأبية . لعل تهدئة الجبهة اللبنانية
المحتدمة يساهم في إخراج الكيان الغاصب من مأزقه التاريخيي الذي دخل فيه منذ السابع
من أكتوبر الماضي .
في هذا الوقت تولد في الساحة المحلية مخاوف كبرى ،
من مشاريع تقسيمية باتت جاهزة تتمثل في إعلان قوى مسيحية مختلفة رفضها الإعتراف
بإنتخاب سليمان فرنجية في حال سارت الأمور بهذا الإتجاه . وتتعزز هذه المخاوف
عندما تتوافر معطيات تقول بأن غطاء دوليا قد يمنح لعدم الإعتراف المشار اليه ، حيث
من المفترض أن يلوذ رافضي الإعتراف بشرعية إنتخاب فرنجية بالصيغة الفيدرالية كحل
عقلاني للمأزق الجديد الذي يمكن أن يتم إدخال لبنان فيه . ويضيف بعض المتخوفين من
هذا الإفتراض أن بعض الموفدين الدوليين الذين سيقصدون لبنان لتغطية "
المؤامرة الفيدرالية " باتوا جاهزين للتحرك حين تدعو الحاجة .
أيمن حجازي