العدد 1634 /16-10-2024

لعلها أعنف الحروب ، تلك الحرب التي يشهدها لبنان هذه الأيام حيث ينجز سلاح الجو الأميريكي الممنوح لدولة اسرائيل أكبر إنجازته الدموية التي تطال الوجود المدني اللبناني تحت ذريعة إعادة مستوطني الشمال الفلسطيني المحتل الى ديارهم . فبعد أن أكتمل عام غزة الدموي الذي حصد أكثر من خمسين الف شهيد ومفقود ، تم توظيف التقدم التكنولوجي الأميركي والغربي كي يكون في خدمة الكيان الغاصب المشتبك مع المقاومة الإسلامية اللبنانية المناصرة لجهاد أهل غزة خصوصا ولمقاومة شعب فلسطين عموما . وللمرة الأولى يتسع ميدان المواجهة القائمة مع الصهاينة ليصل الى الآراضي الإيرانية بعد ان تكررت الإعتداءات الصهيونية على الجمهورية الإسلامية تارة عبر قصف قنصليتها في دمشق في ربيع العام الحالي وطورا من خلال اغتيال الشهيد القائد اسماعيل هنية الذي كان يحل ضيفا على طهران في نهاية شهر تموز الماضي .

...إثر إغتيال الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصر الله وعددا من قيادات الحزب انفلت بنيامين نتنياهو من عقاله ، وصار يعد نفسه بحسم المعركة ورفع رايات النصر عالية خفاقة في الفضاءات الصهيونية والأميريكية والأوروبية . وعندما حان موعد المجابهة البرية في أقاصي الجنوب اللبناني وعلى أطراف الشمال الفلسطيني المحتل ، ظهر جليا كم هي الصعوبة بالغة في كسب هذه المعركة وفي حسمها سريعا . وقد أبلى مجاهدو المقاومة الإسلامية بلاء حسنا في الميدان وأوقعوا في صفوف الجيش الصهيوني خسائر غير متوقعة من قبل القادة العسكريين الصهاينة . ونالت الطائرات المسيرة التي امتلكتها المقاومة الإسلامية من قواعد الجيش الصهيوني التي كانت إحداثيات مواقعها معلومة لدى المقاومين اللبنانيين عبر طائرة الهدهد وغيرها من وسائل جمع المعلومات السليمة . وصارت من جراء ذلك قاعدة بنيامينا الواقعة جنوب حيفا والتابعة للواء غولاني مسرحا لعملية عسكرية ضخمة سقط من جرائها أكثر من سبعين عسكريا صهيونيا بين قتيل وجريح .

لقد بهت نتنياهو والقادة الصهاينة من تداعيات الحرب البرية الموعودة ، واستمر هؤلاء في إصرارهم على استكمال المعركة . واستمر الدعم الأميركي المباشر حتى وصل الأمر الى حدود إنزال جنود أمريكيين على الأرض الفلسطيينية المحتلة وقد حملوا بصواريخ جديدة من طراز ثاد مضادة للصواريخ البالستية الإيرانية التي يفترض ان تتعرض لها المدن الصهيونية ردا على الرد الصهيوني المتأخر والمتلكأ ضد إيران . والإدارة الأميركية المنغمسة في الموضوع الإنتخابي الرئاسي تقود المواجهة مع الفريق المقاوم في منطقتنا من منطلق التطابق الكامل مع الحسابات الصهيونية وعندما نعاين بعض التباين بين الفريقين فإن تباين على التكتيك الذي ينبغي أن يعتمد وعلى تأمين مصالح اسرائيل بشكل أفضل ... ليس إلا .وهذا ما يدفع الى التوقع بإستمرار الحرب القائمة في الميدان اللبناني مدة أطول .خصوصا بعدما يكتشف الجانبين الأميريكي والإسرائيلي أن قوى محلية لبنانية متناغمة معهما ، وهي قوى ساعية لإستغلال الهجمة الصهيونية الحالية لعل ذلك يمنحها قوة لتعديل ميزان القوى المحلي أو بالتالي قلب الطاولة .

إنها معركة تاريخية ومواجهة مفصلية هذه الحرب المشتعلة على أرضنا الملتهبة وسيترتب على نتائجها الكثير الكثير من الحقائق التأسيسية الكبرى التي تطال كل شيء في البنيان الوطني اللبناني وحتى في البنيان العربي والإسلامي المتسع .

ايمن حجازي