العدد 1613 /15-5-2024
أيمن حجازي
منذ بدء الحرب السورية في عام ٢٠١١ ، وجموع
السوريين يتدفقون الى لبنان بالآلاف ثم بعشرات الآلاف الى أن تجاوز عدد هؤلاء
المليون ونصف المليون نازح سوري هربا من نيران تلك الحرب . وقد شجعت العديد من
الدول العربية والغربية المواطنين السوريين على الخروج من بلادهم من خلال تقديم
مساعدات مغرية لهم وصلت الى حد تخصيص مبالغ مالية نقدية تدفع لكل فرد لاجىء من قبل
هيئات تابعة للأمم المتحدة . وقد ترافقت هذه المغريات مع تشجيع واضح للمجتمعات
المجاورة لسوريا بإستقبال اولئك المغادرين ورعايتهم والعطف عليهم . وهذا ما حصل في
لبنان والأردن وتركيا . إلا ان أعدادا من المواطنين السوريين قد تمكنوا من الوصول
أو اللجوء الى عدد من الدول الأوربية في عمليات تسلل بحرية غير قانونية سقط
بنتيجتها مئات او آلاف من الرجال والنساء والأطفال الضحايا الذين ماتوا غرقا في
مياه البحر الأبيض المتوسط .
في الساحة اللبنانية ، كانت هناك رغبة واضحة من
قبل قوى سياسية بالتشفي من الحكم السوري نتيجة صراعات سابقة ، من خلال استغلال
قضية النازحين السوريين وتوظيف هذه القضية في سياق الضغط على الحكم السوري . وذلك
بعيدا عن التعاطف الصادق مع هؤلاء المنكوبين الفارين من نيران الحرب القاسية . ومع
مرور السنوات باتت هذه القوى السياسية في حيرة من أمرها ، وذلك عندما وجدت نفسها
بين مواقفها الطائفية والعنصرية النافرة من الشعب السوري نتيجة إنتمائه الطائفي
الإسلامي وبين رغبتها في إستغلال قضية النازحينضد السلطات السورية الحاكمة . وقد دفعت هذه الحيرة بعض القادة والرموز في
معسكر الرابع عشر من أذار الى إتخاذ مواقف متناقضة ومرتبكة من هذا الموضوع . وجاءت
حادثة إغتيال المسؤول القواتي باسكال سليمان لتدفع هؤلاء وخصوصا في حزب القوات
اللبنانية الى مواقف حادة من الوجود السوري وذلك في استفاقة متأخرة تناغمت فيها مع
مواقف باقي القوى السياسية المسيحية المخاصمة لها خصوصا في التيار الوطني الحر ...
وبات الموقف السياسي المسيحي شبه موحد في رفض الوجود السوري الذي بات يعتبر خطرا وجوديا يطال الكيان السياسي
اللبناني برمته . والمقصود هنا بالتهديد الوجودي ، هو الخوف من غلبة العنصر
الإسلامي داخل المجتمع اللبناني بعيدا عن الإعتبارات السياسية التآمرية الكبرى ضد
شعوب المنطقة من جراء إعاقة عودة السوريين الى ديارهم .
ويبدو
واضحا أن الدوائر الاوروبية والأميريكية تهدف من خلال تشجيعها على إبقاء الملايين
من السوريين خارج وطنهم ، الى الأمور التالية :
- إحداث واقع تقسيمي داخل سوريا يضاف الى الواقع
التقسيمي القائم في العراق المتواكب مع نزعات تقسيمية ترواد بعض القوى السياسية
والمؤسسات الدينية اللبنانية .
-إحداث تبدلات ديموغرافية عميقة في
الواقع الطائفي اللبناني المتأزم والذي يعيش فراغ على مستوى الرئاسة اللبنانية
الأولى . وهذا ما يفتح الباب على إستيلاد نسخ أخرى من الحروب اللبنانية الصامتة أو
المجاهر بها .
- تعميق الشروخ الطائفية والمذهبية في المنطقة بما
يقود الى بلقنة المنطقة وتجذير الصراعات الداخلية وتشعبها .
- السعي الحثيثلإشغال قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وصرفهم عن أداء أدوارهم التحريرية
القاىمة على الأرض في مواجهة الإحتلال الصهيوني .
إن أزمة النزوح السوري في لبنان يجب أن يتم
تحريرها من الأحقاد الطائفية المعادية ، حيث يجب ات تتم معالجة الموضوع بموضوعية
وعلمية ودوافع وطنية وإنسانية وأخلاقية حاسمة ، تستحضر حجم المخاطر السياسية التي
تحيط بالمساعي الأوروبية والأميريكية المعادية الهادفي الى تفتيت دول المنطقة بعد
ان تم تقسيم هذه المنطقة قبل أكثر من مئة عام وفق مؤامرة سايكس - بيكو اللعينة . ولا يخفى علينا أن المعالجة
السياسية السليمة لهذه القضية قد تستجلب بعض الآلام الإنسانية التي لا يمكن تجنبها
في كثير من الأحيان .
يجب تحرير هذه المعالجة من عنصر الكراهية الطائفية
ومن عنصر التعالي على الأشقاء السوريين الذي أصيب به وابتلي بعض اللبنانيين الغارقين
في مشاعرهم الطائفية والعنصرية البغيضة .
أيمن حجازي