العدد 1589 /22-11-2023
أيمن حجازي
استمر الوضع على الحدود اللبنانية - الفلسطينية ساخنا عسكريا بفعل استمرار العمليات
التي ينفذها حزب الله تحت عنوان الدعم والتضامن مع غزة التي تتعرض لحرب إبادة
وحشية صهيونية منذ أكثر من شهر ونصف من الزمن . وقد شكل هذا الوضع الساخن بديلا عن
دخول لبناني شامل في حرب غزة يشابه دخول لبنان في حرب صيف ٢٠٠٦ .حيث طالت تلك
الحرب البنى التحتية والمرافق الحيوية بالإضافة الى تهجير مئات الآلاف من المدنيين
وانخراط شامل في مواجهات عسكرية جوية وبرية وبحرية .
لقد لجأ حزب الله الى هذا الخيار الحربي المحدد
الذي اتخذ طابعا عسكريا بحتا وتجتب الخيار التصعيدي الأكبر نتيجة عوامل عدة أهمها
:
- أن الساحة اللبنانية الداخلية تعاني من إنقسام
كبير وحاد ، حيث سيضطر حزب الله في حال اتخذ قرار الإنخراط الكامل في حرب غزة الى
مواجهة فرقاء لبنانيين كثر في الساحتين الاسلامية والمسيحية على حد سواء . وهذا ما
سيؤدي الى إرباك المقاومة اللبنانية إرباكا كبيرا يعيق أداءها لدورها الفاعل في
مواجهة الكيان الصهيوني .
- يلحق هذا الانقسام المحلي ويغذيه انقسام عربي
مشهود كاد ان يجر بعض الأنظمة العربية الى تورط معيب بإدانة حركة حماس والصاق تهم
الارهاب بها خصوصا بعد عملية طوفان الأقصى .
- لقد ثبت حقيقة أن عملية طوفان الأقصى كانت قرارا
حمساويا خاصا ، أخفي على ما يبدو حتى عن بعض الجهات في حماس بغية الحفاظ على سرية
ونجاح العملية ككل . وهذا ما أوجد واقعا يستحيل معه انخراط حزب الله العسكري بتسرع
وارتجال وهذا ما ينافي الطبيعة العسكرية الهادئة والمتأنية للأسلوب الإيراني
ولأسلوب حزب الله في الميدان . وهذا ما حال دون النخراط المتعجل لحزب الله بعملية
طوفان الأقصى .
- إن الساحة اللبنانية تؤمن لقوى المقاومة
الفلسطينية موئلا ومنبرا إعلاميا وقدرات تنظيمية وشعبية شتى ، وهذه الساحة تشكل
ساحة موازية للمقاومة اللبنانية وحلفائها العرب . ويرجح في هذا السياق أن تتعطل
هذه الساحة ويضيع هذا الموئل في حال الإنخراط الشامل ضد الكيان الصهيوني على نسق
حرب صيف ٢٠٠٦ . وهذا ما قد يضر بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية إن حصل ذلك
الإنخراط المشار اليه قبل إتخاذ خطوات تحضيرية واجبة في هذا المجال ومن ضمن تخطيط
مسبق .
بعض الإعلام العبري أكد أن مئة ألف جندي صهيوني
مرصودين للجبهة اللبنانية التي تخوض معركة هامة كلفت حزب الله حتى هذه اللحظة أكثر
من سبعين شهيدا من خيرة كوادر ومقاتلي الحزب . وقد نتج عن هذه المعركة تدمير شبه
كامل للجدار الألكتروني المنتصب عند الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة من جراء
الإستهداف اليومي للأبراج والصحون اللاقطة ولأجهزة التجسس الألكتروني الأخرى . إن
الكيان الصهيوني أرهق من جراء استمرار هذه المعركة الشمالية ، التي أدت في ما أدت
اليه الى تهجير عشرات الآلاف من المستوطنين المغتصبين لأرض شمال فلسطين . وهي
معركة محقة وازنت بين مصالح الداخل اللبناني ورسوخ الإلتزام الجهادي للتضامن مع
المقاومة الفلسطينية والشعب الأنموذج لغزة الأبية الصامدة . وقطعت الطريق على قوى
سياسية كبرى في الداخل اللبناني كانت مهيأة للإنحياز الى العدو الصهيوني على شاكلة
ما جرى في صيف ١٩٨٢ .
حتى هذه اللحظة المعركة على الجبهة اللبنانية
مفتوحة على كل إحتمالات التصعيد ، رغم الحرص الواضح على إبقائها مواجهة عسكرية
بعيدة ما أمكن عن المساس بالعمق المدني . وهذا مرهون استمراره بمآل الأمور على
ساحة غزة العزيزة الذي كبرت بدماء أبنائها وتعملقت حتى تجاوزت بحجمها المعنوي
المقدس حجم القارات والميحطات والكواكب . سلام عل الدم الذي سال في غزة ... غزة يا
سخية الدماء .
أيمن حجازي