1569/5-7-2023
حتى المياه الراكدة لم تحركها زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان ، حيث خيم اليأس والقنوط على موضوع الشغور الرئاسي الشائك الذي يكاد أن يطفأ شمعته الأولى بعد بضعة أشهر . وقد برزت حقيقة كبرى تشير الى أن فرنسا " الأم الحنون " ليست أكثر من عضو في لجنة دولية خماسية منتدبة من خارج الأمم المتحدة لمساعدة اللبنانيين واللبنانيات على تجاوز أزمتهم السياسية والإقتصادية والإنسانية المستفحلة . ويعتبر البعض أن المبادرة الفرنسية ، إن وجدت ، فإنها تعاني من نقاط ضعف هامة . كان أولها إنعدام التوافق بين فرنسا والمملكة العربية السعودية حول الملف اللبناني ، وكان ثانيها المسافة الشاسعة التي تفصل بين وجهة النظر الفرنسية وبين موقف القوى المسيحية الكبرى ( تيار وطني حر - قوات لبنانية - كتائب ) الرافض لترئيس سليمان فرنجية للجمهورية اللبنانية . وثالثها الإضطرابات التي وقعت مؤخرا في باريس على خلفية قتل الشرطية الفرنسية لفتى من أصول جذور جزائرية .
... المقربين من السفارة الفرنسية في بيروت يرفضون القول بأن دولريان قد عاد بخفي حنين ، حيث ان زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي كانت ذو طابع إستطلاعي من بدايتها . وأن الحديث عن جولة ثانية للرجل في منتصف تموز ، سبقت جولته الأولى ... وأن الإدارة الفرنسية تدرك تمام الإدراك بأن حل المعضلة اللبنانية الحالية يحتاج الى مشاركة وتضافر الدول الخمس المشاركة في اللجنة الخماسية " المنتدبة " . حتى أن فرنسا ليست بعيدة عن المساعي الهادفة الى ضم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى اللجنة الخماسية المشار اليها ، حيث يعتقد الفرنسيون أن دور إيران لا بد من أن يكون له نتائج ايجابية في إيجاد الحل المتوخى في لبنان .
ولئن كانت القوى السياسية المعادية لوصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا ، قد أعربت عن ارتياحها لنتائج جولة الموفد الرئاسي الفرنسي فإن حزب الله ما زال على ارتياح ه حيال الموقف الفرنسي الذي يبدو متفهما لإصرار الحزب على دعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية . ويعتقد البعض المطلع على مجريات الحوار بين حزب الله والموفد الفرنسي أن هذا الحوار يعتبر من أنجح الحوارات التي تقوم بين قوى متباعدة . وان هذا الحوار من الناحية التقنية على قدر كبير من الأهمية . ويعلل البعض الآخر سبب هذا " النجاح المفترض " الى أنه حوار يستند الى حوار طويل ومنتج قائم بين الإيرانيين والفرنسيين نشأ قبل عام ٢٠١٥ تاريخ التوصل الى الإتفاق النووي بين الخمسة زائد واحد وايران . ويرجح هذا البعض أن العلاقة الفرنسية مع حزب الله ستستمر في منحاها الإيجابي حتى لو تم إحداث تعديل غير إيجابي على الموقف الفرنسي من ترشيح سليمان فرنجية . ولا يمكن تفسير هذا الأمر في لغة المصالح الدولية إلا على مستويين إثنين :
- المستوى الأول : يتمثل في خروج فرنسي جلي من سياسة التشدد الأميركي حيال ايران وهذا ما بدا واضحا في موقف فرنسا الذي أبقى على القنوات المفتوحة مع ايران إثر إنقلاب الرئيس الأميريكي دونالد ترامب على الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية . وذلك حفاظا على العديد من المصالح الفرنسية والأوروبية التي تربط طهران بباريس والعديد من العواصم الأوروبية .
- المستوى الثاني : وهو المتعلق بمصادر الطاقة المكتشفة في شرق المتوسط وتحديدا في المياه الإقليمية اللبنانية ، حيث توجد مصالح استثمارية فرنسية عنوانها الأبرز شركة توتال الفرنسية . وهذا ما يتطلب علاقات إيجابية مع القوى الفاعلة في لبنان والتي يتقدمها حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية .
مما لا شك فيه أن أسمي قائد الجيش جوزف عون والوزير السابق زياد بارود يتقدمان لائحة الأسماء المارونية التي يمكن اللجوء اليها في حال اقتنعت الأطراف المعنية بإيجاد بدائل عن سليمان فرنجية وجهاد أزعور . وأن التأييد الخارجي لترشيح قائد الجيش واسع ومتنوع ومتنقل بين الدوحة والقاهرة وواشنطن . وأن لكل طرف من الأطراف أسباب وعوامل تكمن في دفع الجنرال جوزف عون الى قصر بعبدا . أما الوزير السابق زياد بارود الذي لا يملك أي قوة نيابية ملحقة به فإن له قوة المرشح التسووي الذي يراد عبره أن يتم التخلص من الأسماء المتصارع حولها . ولا يستبعد في هذا الخضم أن يتم إختراع إسم آخر من خارج التدوال الرائج ، أو الركون الى شغور رئاسي طويل الأمد تتبدل فيه صيغة لبنان الكبير الذي عاش لأكثر من مئة عام مليئة ومفعمة بالأفراح والأحزان الجليلة وبالحروب المدنسة تدنيسا ...
أيمن حجازي