العدد 1627 /28-8-2024
ايمن حجازي
في ظل الإحتدام الميداني السائد في فلسطين المحتلة
ولبنان من خلال إشتعال جبهات غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وشمال فلسطين ، انقشع
الغبار الكثيف الذي نتج عن عملية الرد التي قام بها حزب الله على اغتيال القائد
فؤاد شكر . وظهرت بعد هذا الإنقشاع إنزياحات عدة قد تمهد لعملية إعادة تموضع سياسي
طال الزعيم وليد جنبلاط والنائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر . وكان رد
حزب الله الذي حصل يوم الأحد الماضي قد استهدف قصف المقر الرئيسي لوحدة ٨٢٠٠ في
الموساد الإسرائيلي في ضاحية من ضواحي تل أبيب ، عبر عملية إطلاق مئات من صواريخ
الكاتيوشا التي استخدمت لإلهاء القبة الحديدية بغية إيصال مسيرات أريد لها أن تطال
مقر الموساد المشار اليه .
في هذا الوقت أكمل وليد جنبلاط عملية الإنزياح
التدريجي نحو حزب الله ومحور المقاومة ، ليتوج في موقف جديد تقييمه الإيجابي جدا
لعملية " الأربعين " بعد سلسلة مواقف إيجابية حيال مواقف المقاومى في
لبنان وفلسطين . وحتى في الشكل فقد برز الوفدين الجنبلاطيين الكبيرين الذين قدما
التعازي بالشهيد فؤاد شكر وبالقائد اسماعيل هنية . وقد كان وليد جنبلاط على رأس
الوفدين الذين قدما العزاء لقيادتي حزب الله وحركة حماس قبل بضعة أسابيع ما يؤشر
الى إندفاعة جنبلاطية مميزة باتجاه حلفاء سابقين يعودون الى ما قبل عام ٢٠٠٥ .
وينبغي هنا التوقف عند موقف جنبلاط الواضح من ملابسات حادثة القرية الدرزية في
الجولان المحتل مجدل شمس حيث قتل ما يقارب
من اثني عشر فتى وفتاة سعى الإسرائيليون الى إلصاق تهمة قتلهم بحزب الله . وذلك في
سبيل إشعال فتنة درزية - شيعية في بلاد الشام. وكان دور جنبلاط في هذه المشكلة حاسم جدا بعد أن وجه الإتهمام الجازم الى
الصهاينة بإرتكاب الجريمة للحؤول دون نجاح الفتنة المشار اليها . وهذا ما ثبت موقع
وموقف جنبلاط الوطني والعربي الرافض لإستغلال الكيان الصهيوني للخارطة الطائفية
والمذهبية المتداخلة في لبنان وفلسطين وسورية .
هل يعني ذلك قطعا لعلاقات جنبلاط مع حلفائه
السابقين في معسكر الرابع عشر من أذار . بالطبع لا حيث جنبلاط الحالي لا يرغب في
إحداث إنقلابات وتحولات حادة . بل إنه يرغب في إحداث إنعطافات هادئة تحفظ له دور
سياسي وسطي أكثر فعالية على الساحة اللبنانية . مع إحتفاظه بالحنين الى دور والده
كمال جنبلاط المفعم بالروح القومية والوطنية والإلتزام العاطفي والمعنوي بقضية
فلسطين .
على جبهة جبران باسيل ، يبدو الرجل في كلامه
الأخير وبعد عملية " الأربعين " يطرح التساؤلات المضادة لموقف حزب الله
والمتحورة حول الجدوى اللبنانية من فتح جبهة الجنوب . مع إجراء مقارنة صعبة بين
موقف الإندفاع باتجاه الحرب وبين تريث جبهات المحور الأخرى في الولوج الى تلك
الحرب . وهذا ما وجه سهاما سياسية متعددة بإتجاه حزب الله وإيران وباقي أطراف محور
الممانعة . ولكن بعض المراقبين السياسيين لا يعتبرون ان باسيل في صدد الإبتعاد عن
حزب الله الذي يجب وفق هؤلاء المراقبين أن يراعي حراجة موقف باسيل في الشارع
المسيحي الذي لا يستسيغ فتح الجبهة الجنوبية تضامنا مع غزة . في وقت يتعرض فيه
التيار الوطني الحر الى مزايدات متسارعة على المستوى المسيحي من قبل حزب "
القوات اللبنانية " وقدامى معسكر الرابع عشر من أذار . ويعتبر هؤلاء
المراقبين أن حزب الله مهيؤ لتفهم كلام جبران باسيل الذي قد يبدو قاسيا لحاجته
الماسة الى الى قوة سياسية مسيحية توازي القوى المسيحية المعترضة على عمل المقاومة
اللبنانية بمن فيها بعض جهات الكنيسة المارونية والكنيسة الأرثوذكسية .
إن موقفي جنبلاط وباسيل يصدران عن قوتين سياسيتين هامتين على الساحة
اللبنانية ويتعلقان بتطورات اقليمية كبيرةتجري في المنطقة . قد يصح القول أن وليد جنبلاط يميل الى إعادة تموضع جزئي
ولكنه ليس في صدد الدخول في تمحور حاد . أما جبران باسيل فإنه يبدو بعيدا عن خيار
إعادة التموضع ، ولكنه في صدد التحرر من بعض ما تبقى من إلتزامات مشتركة مع حزب
الله في الموضوع المقاوم دون أن يعني ذلك أن هناك طلاقا ما بين الجانبين الذين ما
زالا يمتلكان الكثير من الرغبة في مساكنة سياسية عملانية .
أيمن حجازي