العدد 1575 /16-8-2023

في مقابل الإحتدام الأمني والسياسي الذي ولدته حادثة الكحالة ، استمرت البرودة السياسية المتعلقة بالإنتخابات الرئاسية كإستحقاق معلق منذ عشرة أشهر . وذلك في إنتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان في أيلول المقبل ، وبعد أن تمكن الجهاز اللبناني الحاكم من تمرير استحقاقين هامين في بنية الإدارة اللبنانية الشاهقة . فقد تمكن الجهاز الحاكم المتناحر في ما بينه ، من معالجة وتمرير المديرية العامة للأمن العام اللبناني بعد ان بلغ اللواء عباس ابرهيم السن القانونية وكذلك الأمر بالنسبة الى حاكمية مصرف لبنان ولكن بصعوبة بالغة .

وعندما نتحدث عن "جهاز حاكم" في ظل الشغور الرئاسي ، فإننا نقصد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يمنع عليه عقد جلسات حكومية إلا بشق الأنفس بفعل محاربة التيار الوطني الحر لإنعقاد هذه الجلسات المحرمة في الفهم الدستوري الخاص بالنائب جبران باسيل وفريق عمله . ويقوم عمل ذلك الجهاز على شرط التنسيق الكامل والشامل والدقيق بين الرئيس ميقاتي والرئيس نبيه بري . وإلا فإن الأول لن يتمكن من القيام بأي عمل حكومي مفترض . وفي بعض الأحيان فإن تفاهمات ميقاتي - بري تبدو عاجزة عن القيام ببعض الخطوات خصوصا ععندما ينطوي الأمر على تحفظ ما لحزب الله في أي موضوع من المواضيع المطروحة . ولا ينبغي تجاهل دور الحزب التقدمي الإشتراكي في عمل هذا الجهاز الحاكم الذي يشكل ظهيرا فاعلا في تدعيم تفاهمات بري - ميقاتي . ويحمل هذا " الجهاز الحاكم " الطابع الإنتقالي الذي لا بد له من الإنتهاء والزوال في حال تم إنتخاب رئيس للجمهورية في قابل الأيام أو الأسابيع أو الشهور ... وسيتعرض هذا الجهاز الحاكم الى خضة كبيرة في حال عودة التفاهم والتنسيق بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، وذلك على احتمالية حدوث فرز يقسم الجهاز الحاكم الى فريقين:

- فريق بري - ميقاتي - جنبلاط .

- فريق التيار الوطني الحر - حزب الله .

وهناك من يقول أن عودة التفاهم والتنسيق بين حزب الله والتيار الوطني الحر يعني الإتفاق على الرئاسة الأولى وهذا يعني نهاية الجهاز الحاكم الحالي اتوماتيكيا .

على الرغم من كل الصورة السوداوية للوضع الحالي اللبناني ، يوجد هناك في خارج لبنان من يبدي إعجابه بكيفية " تمرير " الأمور الخلافية الشاقة بين القوى والجهات اللبنانية المتناحرة وفي معالجة النتوءات الحادة بين أعضاء الجهاز الحاكم المتباعدين .

في هذا الوقت تجهد بعض القوى اللبنانية في تتبع الأوضاع الإقليمية والدولية المؤثرة في الوضع اللبناني وبالأخص لجهة العلاقات الأميركية - الإيرانية والعلاقات السعودية - الإيرانية . فالعلاقات الأولى تشهد إنفراجا واضحا يترجم من خلال إفراج الأميركيين عن أرصدة مالية إيرانية مجمدة منذ أمد بعيد في مقابل الإفراج عن أشخاص محتجزين في إيران يحملون الجنسية الأميريكية . في وقت يجري الحديث فيه عن قيام تفاهمات على الموضوع النووي الإيراني بين واشنطن وطهران من خارج الإتفاق النووي الدولي الذي أطاح به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب .وقد أفادت بعض المعطيات بأن العاصمة الأميريكية لا تعارض في وجود إيران في اجتماع الدول الخمسة المخصص للبحث في الموضوع اللبناني الشائك . أو أن الإدارة الأمريكية لا تعارض مشاركة إيران ومساهمتها في حل المعضلة اللبنانية من خارج التواجد على مائدة اللجنة الخماسية وهذا ما قد يريح ايران وواشنطن في آن واحد .

أما العلاقات الإيرانية - السعودية االتي شهدت تطورات أيجابية منذ بضعة أشهر ا من خلال الإتفاق الذي عقد برعاية صينية مباشرة ، فإنها ما تزال تتثعر اليمن ولكن الظاهر أن الجانبين الإيراني والسعودي مصممان بسعي حثيث من الصين على تجاوز الصعوبات التي تعترض طريق تنقية العلاقات بين الجانبين . وتأتي الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان تأكيدا على هذا التصميم . ما يمنح اللبنانيين آمالا مؤجلة بعض الشيء في الموضوع الرئاسي اللبناني المعلق على أكثر من خشبة.

إن تفاهمات بري - ميقاتي تطفو على هذا الكم الهائل من المعطيات المحلية والإقليمية والدولية لتنتج جهازا حاكما يعاني أكثر ما يعاني من الجهل بالدستور . فأكثر سياسيينا باتوا جهلة من الناحية الدستورية وبعضهم يريد أن يفتئت على هذا الدستور كي ينتج أعرافا دستورية مزورة ذات طابع طائفي عنصري متسلط .

أيمن حجازي