بين "معارضي" ٢٠٢٤ ومتعاوني ١٩٨٢
العدد 1619 /3-7-2024
أيمن حجازي
تستمر الساحة اللبنانية تحت وطأة العبث الداخلي
الذي يفتعله جمع من القوى السياسية التي تلبس حاليا لباس المعارضة ، وتسعى الى
التشويش على فعل المقاومة اللبنانية المساند لغزة المجاهدة الذبيحة التي تقاتل
وحيدة في مواجهة المحتل الصهيوني والجهات الغربية المساندة له وفي طليعتها
الولايات المتحدة الأميريكية وبريطانيا وأتباعهما الغربيين . وقد سعت هذه القوى
المحلية الى تلوين مطالبتها بوقف الفعل المقاوم المساند لغزة بألوان طائفية مزيفة
من خلال إيكال مهمة الحديث بإسم المعارضين الى النائب أشرف ريفي في محاولة للإيحاء
بأن هناك معارضة لبنانية اسلامية - مسيحية لفتح الجبهة الجنوبية الداعمة لغزة.
وقد أثارت تحركات هذه الشخصيات النيابية ذاكرة
اللبنانيين وأعادتهم الى صيف ١٩٨٢ حين ظهر تناغم علني وقح بين دبابات الإحتلال
الصهيوني الزاحف وبين المنطق السياسي لبعض القوى اللبنانية التي جاهرت بالتعاون مع
الإحتلال الصهيوني . إلا أن الضعف الواضح الذي يعتري موقف وموقع القوى اللبنانية
" المعارضة " دفعها الى تمويه مواقفها والإختباء خلف المصلحة
اللبنانية التي تتعارض مع تحركات المقاومة
اللبنانية المساندة لغزة الأبية . ولكن القراءة الدقيقة لمواقف هذه القوى ، تؤكد
أن مضمون الموقف السياسي ل"معارضي" ٢٠٢٤ لا يختلف بشيء من الأشياء عن مواقف متعاوني صيف
١٩٨٢ الذين لطخوا تاريخهم ودنسوا صورهم من خلال العلاقة المدانة مع الكيان
الصهيوني الغاصب ومشاريعه المعادية . ويسجل في هذا السياق أن مواقف القوى
اللبنانية المشار اليها تتجاوز في حدتها وتوترها مواقف قوى دولية مؤثرة ، حيث
يلاحظ أن دولة الفاتيكان ومرجعيتها الدينية المسيحية الدولية لا تجاري مواقف بعض
القوى المسيحية المتطرفة في عدائها للمقاومة اللبنانية ... وهي دولة تسعى للتخفيف من
حدة هذه المواقف والى تبريد بعض الرؤوس الحامية التي تسعى الى إشغال المقاومة وكشف
ظهرها وإفتعال أجواء ضاغطة ضد هذه المقاومة . ولا يبدو أن هذه القوى تعبأ
بالتضحيات الكبرى للمجاهدين والمقاومين اللبنانيين الذين يناصرون غزة الجريحة في
كل المجالات السياسية والأمنية والإنسانية التي تنتج صورا مؤلمة تدمي قلوب كل
البشر في كل أنحاء الأرض .
والى جانب دولة الفاتيكان ، تقف فرنسا متميزة عن
مواقف القوى اللبنانية المتطرفة في معارضتها للمقاومة اللبنانية حيث استمرت هذه
الدولة الأوروبية الكبرى في تواصلها المباشر وغير المباشر مع حزب الله الذي تخوض
معه جولات تفاوض تهدف الى ثنيه عن الربط بين جبهة جنوب لبنان وشمال فلسطين وبين
جبهة غزة . وهذا ما يجعل بعض الأجواء الدولية أكثر تعقلا من أجواء القوى اللبنانية
المنفلتة من عقالها والتي تحكمها عقد تاريخية متفاوتة . وقد يعتري مواقف بعض القوى
جموح مدمر لا يخلو من المغامرات الغبية التي قد تزين لهذا البعض التورط في تنفيذ
خطوات ذات طابع إنفصالي تحت عنوان الفيدرالية واللامركزية الموسعة .
... حتى الآن لا يبدو أن المناخ الدولي يجاري بعض
الرغبات المغامرة في الداخل اللبناني ، ما خلا الموقف الصهيوني الذي لا يمانع في
حدوث أي تطور لبناني داخلي يشغل المقاومة اللبنانية عن أداء دورها ما تعتبره واجبا
في نصرة غزة . ويأتي التنسيق الفرنسي - الأميريكي في هذا السياق ، وهو تنسيق يصوغه
الموفد الأميريكي هوكشتاين والموفد الفرنسي جان ايف لودريان الذين يلتقيان في
باريس بغية تضافر الجهود لإخراج إسرائيل من ورطتها الكبرى في قطاع غزة . وتبدو
القضية هنا غير قابلة للحل لأن المجزرة الكبرى التي ترتكبها الدولة الصهيونية في
قطاع غزة لا لأي عربي او مسلم أو إنسان حر ان يتحملها ، وأن السكوت عن هذه المجزرة
يمثل خروجا فاضحا عن الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية السليمة . وهذا ما أكدته
حالات الحرج الكبير التي أصيب بها حلفاء الكيان الصهيوني وأسياده وتم التعبير عنه
عبر مواقف احتيالية عديدة في واشنطن ولندن والعديد من العواصم الغربية الحليفة .
وقد حاول هؤلاء التميز عن المواقف الإسرائيلية المتوحشة التي أسقطت الأقنعة الحضارية
المزيفة لدول الغرب الأوروبي والأمريكي ، وبات هؤلاء محرجين أمام شعوبهم والطلاب
والأساتذة في جامعاتهم التي شهدت أبشع أنواع القمع الفكري والجسدي التي تحصل عادة
في دول العالم الثالث المتخلفة .
أيمن حجازي