العدد 1581 /27-9-2023
أيمن حجازي

تتالت الإشارات السلبية التشاؤمية المحيطة بالإستحقاق الرئاسي الغائب من كافة الجهات الداخلية والخارجية ، بعد ان وعد البعض نفس بحلحلة لمشكلة الشغور في سدة الرئاسة اللبنانية الأولى . فمن جهة الطرح الذي أعلنه الرئيس نبيه بري قبل حوالي الشهر والمتعلق بإقامة مائدة حوار لبناني - لبناني يفضي الى إنتخاب رئيس للجمهورية خلال الخريف الحالي فقد تعرض لإنتكاسة من جراء مواقف القوى والجهات المسيحية كافة ... وكذلك الأمر عندما ظهرت إنتكاسة موازية في مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لو دريان .

فعلى المستوى المحلي ، استمر حزب القوات اللبنانية في رفضه الإنخراط في الحوار الذي دعا اليه بري . وقد تحول موقف التيار الوطني الحر من ذلك الحوار الى التحفظ بعد ان عاش لحظات ترحيب عابرة . وقد جاء هذا التحفظ على شكل شروط متعلقة بمستوى الحضور في هذا الحوار بالإضافة الى أمور أخري أعتبرها الرئيس بري بمثابة عرقلة عملية للحوار المنشود ، وتثقيل للحمل ، وعلى طريقة أن الذي لا يريد تزويج ابنته يعمد الى رفع مهرها . اما البطريرك الماروني بشارة الراعي فإن وصوله الى اوستراليا قد بدل موقفه الإيجابي من الحوار ما جعله يتراجع ويقول بأن الحوار الذي أيده هو عملية الإنتخاب نفسها ليس إلا . وهكذا صارت سلبية الموقف المسيحي اللبناني من الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري شبه مكتملة مع المواقف البديهية لحزب الكتائب ولحزب الوطنيين الأحرار وغيره من الأحزاب والقوى والشخصيات التي كانت تلتحف برداء معسكر الرابع عشر من أذار . وقد بدا الإنقسام الطائفي اللبناني عاموديا وحادا عندما انضم عدد لا بأس به من النواب السنة الى تأييد الحوار المشار اليه والذي كان يلقى الحماسة السياسية من قبل الحزب التقدمي الإشتراكي ما أمن انسجاما إسلاميا عاما في تأييد الحوار المطعون بجدواه من غالبية القوى المسيحية .

خارجيا ، باتت اللجنة الخماسية التي كلفت نفسها بمتابعة المعضلة اللبنانية والمشكلة من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر ، متأرجحة ومضطربة الرؤى الى حدود أنها عجزت عن إبقاء اجتماعها الأخير في نيويورك قائما لأكثر من نصف ساعة بعدما سرب من معلومات حول مطالبة المندوبة الأميريكية بتحديد سقف زمني لمهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ما اوجد فجوة بارزة بين الموقفين الفرنسي والأميريكي وترك آثارا سلبية على مجمل عمل اللجنة الخماسية المتعلقة بلبنان . والمعلوم ان التباين داخل الخماسية لا يقتصر على السقف الزمني لمهمة لودريان وحسب ، بل انه يتجاوز ذلك الى طبيعة الخيارات الرئاسية داخل تلك اللجنة . حيث يبدو الموقفين القطري والأمريكي يميلان الى خيار العماد جوزف عون في حين كان الموقف الفرنسي طوال الفترة السابقة ميالا الى خيار الثنائي سليمان فرنجية - نواف سلام كإتفاق مسبق على صيغة حكم تتجاوز الموقع الرئاسي الأول لتطال أركان السلطة التنفيذية اللبنانية بمن فيها الموقع الرئاسي الثالث .

وقد نتج عن كل هذه التطورات الداخلية والخارجية المشار اليها دعوة صريحة وواضحة من قبل الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان الى اللجوء الخيار الرئاسي الثالث الذي يتقدمه اسم قائد الجيش الجنرال جوزف عون .

وكان بعض المراقبين الإعلاميين قد جهدوا في الأسبوعين الماضيين على وضع زيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد للعماد عون في اليرزة في خانة التجاوب مع ترئيس عون للجمهورية اللبنانية . وهذا ما حرص مراقبين كثر على صلة بحزب الله على نفيه استنادا الى استمرار الحزب في تبني ترشيح سليمان فرنجية .

إن الحقيقة السياسية الكبرى التي يمكن أن نلتقطها من أجواء اللجنة الخماسية هي أن الولايات المتحدة الأميريكة ليست مستعجلة على إنهاء الشغور الرئاسي وهي قد تفضل استمراره على خيارات أخرى لا تطمئن لها . علما أن مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط تشكل هدفا رئيسا لهذه الدولة الجشعة التي تغلف تأمين مصالحها بأهداف تبدو وكأنها وضعت لتأمين مصالح الشعوب الأخرى . وتجر الإشارة هنا الى ان لبنان يقع في هذا " الشرق البحري المتوسط " المشار اليه .

هل تطول مرحلة الشغور الرئاسي ؟ سؤال منطقي يطرح في هذا الخضم ولكنه قد يستولد سؤال كبير يراود أذهان بعض أهل التشاؤم :

هل تغيب الرئاسة اللبنانية الأولى الى غير رجعة ؟

أيمن حجازي