العدد 1576 /23-8-2023
أيمن حجازي

استعصت الأزمة الرئاسية اللبنانية على الجميع في الداخل والخارج ، وباتت اللجنة الخماسية العربية والدولية عاجزة عن تقديم حل ما ، بعد مرور عشرة أشهر على إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون . فهل هذا الإستعصاء حقيقي أم أنه يخفي في طياته معطيات سياسية كبرى ينبغي التوقف عندها وتحديد ماهيتها . فعلى الصعيد المحلي تبرز دعوات جادة في أوساط قوى سياسية مسيحية الى الفيدرالية أو ما شابه ذلك من مشاريع يعتبرها البعض الآخر ذي طابع تقسيمي مرفوض . وهي تتخذ أشكالا مختلفة لدى جهات ثلاث :

- حزب القوات اللبنانية : يجاهر العديد من رموزه بالإنحياز الى صيغة الفيدرالية . وهي طرح قديم يعود الى مؤسسي " القوات " من آل الجميل وغيرهم ... وترتكز خطة الحزب الحالية على رفض أي تسوية رئاسية مطروحة وعلى رفض أي حوار ممهد لهذه التسوية . ويعتقد بعض المراقبين أن قيادة حزب القوات الحالية تفضل استمرار الشغور الرئاسي على إنتخاب رئيس لا ينخرط في مهمات التصدي لحزب الله وحلفائه المحليين والإقليميين . ولا يستبعد هذا البعض المراقب أن يكون سمير جعجع مقتنعا بأن مشروع الفيدرالية بات يشكل قاسما مشتركا مع التيار الوطني الحر على الرغم من كل المسافة السياسية التي تفصل حزب القوات عن التيار العوني .

- التيار الوطني الحر : بعد ست سنوات من عهد الرئيس ميشال عون اكتشف جبران باسيل أن الطرف الأول في الثنائي الشيعي ممثلا بحركة أمل والرئيس نبيه بري بات عقبة لا يمكن تجاوزها في تنفيذ الحد الأدنى من الطموحات السياسية للتيار الوطني الحر . وأن التحالف والتفاهم مع حزب الله لا يثمر قضايا سياسية حاسمة في ظل شراكة أمل وحزب الله الشيعية . وبات من الطبيعي أن يبحث باسيل عن مكتسبات سياسية لم يجد عنصرها الرئيسي الا في انتزاع اعتراف سياسي من حزب الله باللامركزية الإدارية واللامركزية المالية التي تشكل معبرا عمليا نحو تقسيم مقنع ومموه في دولة لبنان الكبير . ويسعى باسيل الى إظهار هذا " الإنتزاع " الا مكسبا مسيحيا كبيرا لا من ان يثمره جبران باسيل في الشارع المسيحي . وذلك بعد أن حرم هذا الشارع في الإنتخابات النيابية الأخيرة ثلث كتلته الإنتخابية ومنحها لحزب القوات اللبنانية .

- البطريركية المارونية : لقد دأبت بكركي على امتداد سنوات خلت من عمر الأزمة اللبنانية الحالية ، على الدعوة لإنعقاد مؤتمر دولي مخصص للأزمة اللبنانية . وعلى الرغم من بروز قبول سياسي مسيحي محلي لهذا الطرح فإن تحفظات اقليمية ودولية شتى قابلت هذا السعي وفي مقدمها تحفظا فاتيكانيا خافتا . في وقت اعتبرت فيه قوى سياسية لبنانية أخرى أن من شأن المؤتمر الدولي إن انعقد في هذه الظروف أن يولد تعقيدات إضافية للأزمة اللبنانية الحالية وأن يهدد المصير الوطني بمزيد من الشرذمة والتقسيم .

إن هذه المواقف الثلاثة لحزب القوات وللتيار الوطني الحر وللبطريركية المارونية تلتقي على ضرورة الإنتقال بالوضع اللبناني الى حالة جديدة تتسع فيها الهوامش الكامنة للوضع المسيحي اللبناني الذي يشتكى من تراجعه في البنيان اللبناني الرسمي والواقعي والتنظيمي والسياسي والإداري ... وهذا اللقاء الثلاثي بين بكركي والرابية ومعراب ، يتخذ من الشغور الرئاسي الحالي مناسبة أو فرصة لإحداث تعديل ما في موازين القوى .

على الصعيدين الإقليمي والدولي يوجد أيضا " معطيات سياسية كبرى ينبغي التوقف عندها وتحديد ماهيتها " ولكنها تحتاج الى مزيد من الوقت لا يتسع لها المجال في هذه العجالة .

أيمن حجازي