العدد 1587 /8-11-2023
أيمن حجازي
مازال الحدث الجهادي الفلسطيني يطغى على كل ماعداه
من تطورات وأحداث في دول المنطقة عموما وفي لبنان خصوصا حيث يتأثر البلد بشكل
مباشر بمجريات الأمور في غزة التي تخوض معركة تاريخية فاصلة في الصراع العربي -
الصهيوني . فالساحة اللبنانية باتت محطة استهداف للسياسة الأميركية والأوروبية
بغية قطع الطريق على المقاومة اللبنانية على التفاعل مع الحدث الغزاوي الساطع
والحؤول دون مد يد العون للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة غير مسبوقة يسقط
فيها آلاف الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني الواقع تحت سيف الإضطهاد والظلم
الغربي والصيهيوني منذ قرن من الزمن .
لقد لجأت المقاومة الإسلامية اللبنانية الى خيار
الموازنة والتدرج في التعاطي مع معركة طوفان الأقصى . فكيف كان ذلك ؟
لقد وازن حزب الله المتحالف مع حركتي حماس والجهاد
الإسلامي بين موجبات التضامن مع الشعب الفلسطيني وبين مراعاة الوضع اللبناني
المتآكل داخليا والذي تعاني ساحته الداخلية من شغور رئاسي وتخلخل في بنيان السلطة
السياسية . وقد ظن معظم المراقبين أن حزب الله سيتضامن مع المقاومة الفلسطينية من
خلال الإنغماس في معركة عسكرية شاملةشبيهة بحرب تموز ٢٠٠٦ ، حيث خضعت البنى التحية اللبنانية والجسور والتجمعات
المدنية في الجنوب والضاحية لحرب تدميرية قريبة من حرب غزة الحالية . وكان خيار
حزب الله يتضمن الشروع بحرب إشغال مفتوحة على احتمالات التوسع جغرافيا والتعمق
نوعيا . ما ادى الى استنزاف وإرباك قسم كبير من البنى الأساسية للجيش الصهيوني
الذي اضطر الى الإحتشاد في الشمال الفلسطيني المقابل للجنوب اللبناني .
لم يترك الأميركيون والقادة الصهاينة أي مستوى
سياسي وأمني إلا وأنطقوه بغية تحييد حزب الله من المعركة القائمة في العمق
الفلسطيني . وقد شملت هذه الحملة الرئيس الأميركي بايدن ووزيري الخارجية والدفاع
بلينكن و أوستن فضلا عن نتن ياهو ووزير دفاعه ورموز الكيان الصهيوني الغاصب . وكان
لافتا وصول وليم بيرنز رئيس المخابرات الأميريكة ( CIA) الى المنطقة الذي انخرط في المعركة القائمة ضد حماس التي يجب ان يتم عزلها عن
حلفائها بغية الإستفراد بها . لقد خاض حزب الله معركة الشهر المنصرم على الحدود
اللبنانية الفلسطينية بمعايير عسكرية بحتة تجنب خلالها استهداف الوجود المدني في
مستوطنات الشمال الفلسطيني في خطة محكمة تجعل هذا الوجود هدف فعال في سبيل حماية
الوجود المدني الجنوبي . فالحزب يسعى الى تجنب او تأخير النتائج القاسية التي قد
تنتج عن استهداف هذا الوجود وتكلفته الباهظة . وقد لوحظ أن إستهداف المستوطنات في
شمال فلسطين أمر توكلت به كتائب القسام في لبنان ، حيث وضع هذا الإستهداف تحت عنوان
الرد على المذبحة والجريمة التي ترتكبها العصابة الصهيونية الحاكمة في غزة الجريحة
. وذلك من ضمن تنسيق محكم بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية . وقد فعل حزب
الله معادلة المدني مقابل المدني التي أشار لها ولوح بها الأمين العام لحزب الله
السيد حسن نصر الله يوم الجمعة الماضي ، وذلك بعد ارتكاب جريمة قتل الأطفال
الثلاثة وجدتهم في بلدة عيناتا الجنوبية . فعمد الحزب الى قصف كريات شمونة
ومستوطنات أخرى . وكانت المديات الواسعة التي بلغتها صواريخ القسام المنطلقة من
جنوب لبنان والتي طالت نهاريا وشمال حيفا ، مؤشرا واضحا لتهيؤ حزب الله لتوسيع
نطاق المواجهة على الحدود اللبنانية الفلسطينية .
في هذه الأثناء ، يضمحل الإهتمام بالشغور الرئاسي
ليطل برأسه موضوع الشغور المفترض والقادم على رأس المؤسسة العسكرية اللبنانية بفعل
بلوغ العماد جوزف عون السن القانوني الذي يحتم عليه مغادرة هذا الموقع إلا في حال
التوصل الى تسوية داخلية تتيح التمديد القانوني لقائد الجيش كيلا يقع البلد في
مطبات ممكنة تزيد من خطورة الوضع اللبناني وتقوده نحو مزيد من التفكك .
أيمن حجازي