المنطقة من التقسيم الى التفتيت
العدد 1654 /5-3-2025
ثارت حمية بنيامين نتن ياهو وغيرته على دروز سوريا
، وأعلن استعداده الكامل للتدخل الأمني والعسكري في منطقة جرمانا المجاورة لدمشق
وفي اي منطقة تصلها الديموغرافية الدرزية في سورية . وامتدت هذه الغيرة المميزة
لتطال الأكراد في شمال وشرق سورية ، ما يعني أن رئيس الحكومة الصهيونية يرشح نفسه
لتولي مهام الدفاع والمنافحة عن الأقليات الطائفية في سورية التي تعيش مرحلة
إنتقالية دقيقة. يحدث هذا الأمر بالإستناد الى تجربة
تاريخية بلغت ذروتها قبل أكثر من أربعين
عاما وتمت تحت عنوان حماية مسيحي لبنان وفي خضم اجتياح صهيوني كبير أحتل أجزاء
واسعة من الوطن اللبناني . وقد عانى مسيحيو لبنان ما عانوه من جراء هذه الحماية
التي أخرجتهم من مناطق واسعة في معقلهم الكبير في جبل لبنان ومنحتهم رتبة
"مهجرين" . وأخرجت معهم في المقابل إخوان لهم في الوطن من الطائفة
الدرزية الذين تعرضوا للتهجير الموازي في نفس الجبل الذي كان جبلا واحدا و صار جبلين متناحرين بفضل
الصهاينة الحماة أنفسهم . وقد برز في هذا الخضم الزعيم وليد جنبلاط صاحب التجربة
السياسية الكبرى التي كانت من أهم محطاتها حرب الجبل ١٩٨٣ . حينها عاين سيد قصر
المختارة الأساليب الصهيونية بكل تنوعاتها الأمنية والسياسية والعسكرية ، وكيف كان
القادة الصهاينة يتلاعبون بطوائف الجبل اللبناني ويدفعونهم دفعا الى الإقتتال
والتناحر وارتكاب المجازر وإنجاز مهمات التهجير والتهجير المضاد . وهذا ما ولد
موقفا جنبلاطيا حاسما يدعو دروز الشام الى عدم الإنزلاق والوقوع في المستنقع
الصهيوني القذر .
لقد تحركت المشاعر والأحاسيس والقيم الوطنية
والعربية والإسلامية في داخل البيئة الدرزية اللبنانية والسورية وانبرى المجلس
المذهبي الدرزي المنعقد في بيروت للتصدي لمحاولات الفتنة الصهيونية . من خلال
التأكيد على التزام الدروز في المنطقة الموقف الرافض للعبث الصهيوني الخبيث الذي
يريد أن يستخدم الطوائف والمذاهب والأقليات والأكثريات في مشروع التوسع وبناء
اسرائيل الكبرى . ولعل نشوة الشعور بالتفوق الأمريكي - الإسرائيلي هي التي تدفع
القادة الصهاينة الى التوغل في الساحة السورية ، والتورط في رسم خرائط جديدة تحصن
الكيان الصهيوني وتمنحه مبررات إضافية للوجود والحياة . وقد وصل الأمر بأحد القادة
الصهاينة الى رفض قيام سلطة سورية موحدة
بقيادة الإسلاميين الحاليين الذين يحكمون سورية. هل ينجح هذا الموقف الوطني العربي الدرزي في
مواجهة الإصرار الصهيوني على التدخل في للشؤون الداخلية لدول المنطقة وخصوصا في
سورية التي لم تضمد جراحاتها بعد . والذي
سيرتب لاحقا التفافا حتميا من قبل الصهاينة على الساحة اللبنانية التي يسعى
القرصان الأميركي الجامح الى إدخالها في أتون التسويات السلمية المذلة .
في مطلع القرن العشرين أقدمت قوى الأستعمار البريطاني
و الفرنسي الى تقسيم المنطقة العربية والإسلامية ، وفي مطلع القرن الحادي والعشرين
شرعت الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها الغربيين في العمل الى تفتيت هذه
المنطقة أي تقسيم الذي تم تقسيمه . ولكن الشرط الوحيد المفروض على كيانات التقسيم
والتفتيت المتكاثرة أن تكون كيانات متناحرة لا تعايش في ما بينها مطلقا.
أيمن حجازي