العدد 1637 /6-11-2024
ايمن حجازي
تستمر الحرب الصهيونية
في لبنان من خلال اللجوء الى أسلوب تدميري شامل يطال العديد من القرى والمدن
والبلدات الجنوبية والبقاعية الى جانب تدمير الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت . وقد يلاحظ المراقب
السياسي والعسكري لهذه الحرب المشتعلة منذ أكثر من شهر ، أنها فقدت أهدافها
الأمنية والعسكرية وباتت تتحرك على طريقة تدمير وإفناء البيئة الحاضنة الإجتماعية
والمدنية والمؤسساتية للمقاومة الإسلامية اللبنانية بغية إرهاقها والضغط عليها من
أجل إنتزاع تنازلات سياسية كبرى من هذه المقاومة.
في المقابل فإن
المقاومة اللبنانية اظهرت من الناحية العملية تماسكا بعد الضربات الكبرى التي
تلقتها ونالت من رأس هذه المقاومة ومن العديد من قياداتها الميدانية والتنظيمية .
وباتت الصحافة الإسرائيلية تجاهر بأن حزب الله قد استعاد المبادرة التي جعلت أداؤه
العسكري في مستوى عال من الفعالية . وحيث كان التصدي للعسكر الصهيوني في تلك الحرب
البرية التي علق عليها آمالا عراضا في إعادة مستوطني الشمال الفلسطيني المحتل الى
الديار التي كانوا قد اغتصبوها منذ عام ١٩٤٨ . ولم يخفي القادة الصهاينة رغبتهم
الجامحة في إقامة شريط حدودي جديد يبعد قبضات المقاومين عن المستوطنات الأمامية
الكائنة في على الحدود اللبنانية - الفلسطينية المحتلة . وفي مقابل الفشل الصهيوني
الذريع في احتلال مساحات من " الشريط الحدودي الموعود " عمد سلاح
الهندسة في الجيش الإسرائيلي الى تنفيذ نسف وتدمير عشرات او مئات الأبنية القائمة
في القرى الحدودية كي تصير الحياة مستحيلة أمام أهل القرى الأمامية الذين سقط منهم
او أرتقى عددا كبيرا من الشهداء المدنيين الذين كان معظمهم يعمل في الزراعة .
لم يحسن المقاومون
التصدي للجيش الصهيوني وحسب ، بل إنهم أحسنوا وأبدعوا في استهداف العمق الصهيوني العسكري
أولا ومن ثم المدني بكل تفرعاته الصناعية والتجارية والزراعية . في حين بقيت
الأولوية للإستهدافات العسكرية البحتة ، وذلك على عكس الإستهدافات الصهيونية التي
طالت كل أشكال الحياة المدنية في كافة قرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية . وقد
فتكت هذه الإستهدافات الإجرامية بثلاثة آلاف مدني لبناني خلال أربعين يوما من
الحرب المجنونة المسعورة التي شنها الصهاينة المدعومين من الولايات المتحدة
الأميريكية وحلفائها الغربيين . وأمام المجازر البشعة المرتكبة لم يرف جفن للقادة
الأميريكيين والغربيين الا ما ندر من أمثال مسؤول الشؤون الخارجية في الإتحاد
الأوروبي والمنتهية ولايته جوزيف بوريل الذي رفض تلك المجازر وعوقب على ذلك الموقف
من القادة الصهاينة الذين رفضوا استقباله في فلسطين المحتلة.
أما المقاومة
الإسلامية اللبنانية فإنها امتكلت ناصية حرب المسيرات ، التي أرهقت الصهاينة ونالت
منهم ووصلت الى منزل بنيامين نتن ياهو في قيسارية ووجهت ضربة قاسية الى لواء
غولاني الذي أعلن عن سقوط سبعين من عسكرييه بين قتيل وجريح خلال حفلة عشاء في احد
مواقعه الكائنة في العمق الصهيوني . وما زالت هذه المسيرات تفعل فعلها المؤلم
والكبير في البنيان العسكري والمدني للمجتمع الصهيوني ، ما امن عنصر تفوق قائم على
الصهاينة المتفوقين بالإمداد الأمريكي والغربي المتنوع عسكريا وأمنيا وتكنولوجيا
والذي يؤدي الى إرتكاب أبشع المجازر في صفوف أهلنا وبنيتنا المدنية .
في هذا الوقت يسعى
الصهاينة من خلال حلفائهم وأسيادهم الأميريكيين والغربيين الى إيجاد واقع سياسي
محلي يتلاءم مع طموحات الصهيونية
والأميريكية يبعد تأثير المقاومة اللبنانية عن الواقع السياسي اللبناني . ويفسح في
المجال أمام فرض وقائع جديدة شبيهة بالوقائع الذي فرضها اتفاق السابع عشر من أيار
لعام ١٩٨٣ والذي يتضمن إنتهاكات فاضحة للسيادة اللبنانية من خلال إفساح المجال
أمام الجيش الصهيوني كي يتدخل كلما رأى أن هناك حاجة أمنية صهيونية توجب هذا
التدخل . وهذا ما يشكل خطرا كبيرا تشارك بعض القوى السياسية اللبنانية في الدفع
بإتجاهه في عملية أقل ما يقال فيها أنها خيانة وطنية لبنانية موصوفة .
ايمن حجازي