الخداع والمبالغة في تفسير إعلان بكين
العدد 1554 /15-3-2023
ايمن حجازي
عاشت الساحة اللبنانية في الأسبوع الأخير تحت وطأة
الضوضاء الإعلامية والسياسية لإعلان بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية
الإسلامية الإيرانية القاضي بإستئناف العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران . ما
أدى الى إنجراف الكثيريين من أهل السياسة والإعلام نحو مبالغات تحليلية تتراوح ما بين
التفاؤل والتشاؤم بإنعكاسات هذا الإعلان على الأزمة اللبنانية الحالية وفي مقدمها الشغور
الرئاسي الذي فاقم المشكلات الحياتية والمعيشية لعموم المواطنين اللبنانيين .
وفي هذا الوقت استمر تصاعد الأزمة الإقتصادية والمالية
اللبنانية ما أدى في الأسبوع الأخير الى إنسحاق العملة الوطنية اللبنانية بعد إنهيارها
ما جعل اللبنانيين جميعا عاطلين عن العمل بعد أن أصبحت رواتبهم مجرد أصفار متراكمة
لا تغني ولا تسمن من جوع . ما خلا المؤسسات أو الجهات التي تدفع رواتبها ومخصصات العاملين
فيها بالدولار الأميركي الأخضر .... وعن طريق الغش والخداع تابع المحللون والقارئون
في السياسة عبر الشاشات إيهام الناس بأن إعلان بكين سيكون له إنعكاسات مباشرة وسريعة
على الوضع اللبناني المتأزم . ما دفع بوزير الخارجية السعودية محمد بن فرحان الى القول
في مواجهة ما يقال في لبنان وخارج لبنان أن إعلان بكين لا يعني ان خلافات السعودية
وايران قد حلت ، وأن الأمور المستعصية تحتاج الى مزيد من الوقت والمعالجة .
أما في حقيقة الأمور في الواقع السياسي اللبناني يلاحظ
أن البعض قد أصيب بالصدمة والخيبة لأنه كان يراهن على استمرار الصراع الإيراني - السعودي
بغية إستمرار دوره السياسي بالقوة التي تمكنه من مواجهة حلفاء إيران في لبنان إستنادا
الى موقف سياسي سعودي داعم . وقد اتضح من المعطيات السياسية والديبلوماسية في السنوات
الأخيرة ، أن أطرافا وشخصيات لبنانية عدة سعت
وبشكل متواصل الى دفع مواقف المملكة السعودية في لبنان نحو التصعيد والتشنج . وقد ساهم هذا البعض اللبناني
في ولادة خطوة الوزير السعودي السبهان قبل بضعة أعوام والتي استهدفت الرئيس سعد الحريري
ودفعته الى الإستقالة المتلفزة من الرياض قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي ماكرون وفك أسر
الرجل وعودته الى بيروت ومن ثم عودته عن الإستقالة الإجبارية آنذاك . وقد سعى هذا الفريق
الى القول أن إعلان بكين لم ولن يغير من موقف المملكة العربية السعودية من ترشيح الزعيم
الزغرتاوي سليمان فرنجية . وبالتالي فإن الفيتو الموضوع على إسم فرنجية ما يزال قائما
....
وفي المقابل بالغ البعض الآخر في تصوير الواقع الإنتخابي
الرئاسي من خلال الإيحاء بأن العقبات الكبرى التي كانت تعترض وصول فرنجية الى سدة الرئاسة
الأولى قد تم تذليلها ... "وقوموا يا شباب حتى نهنيء" . وقد استجمع هذا البعض
المعطيات التي تشي بأن المطلب السعودي الأكبر من إعلان بكين والحلحلة مع إيران يرمي
الى حل المشكلة في اليمن . وأن الرياض غير مكترثة بالساحة اللبنانية إلا من بوابة تأثيراتها على اليمن وسوريا . وقد
انغمس الفريقين في التركيز على العلاقات الإيرانية - السعودية وعلاقتها بالإستحقاق
الرئاسي بعيدا عن استحضار مواقف الأطراف الأخرى الدولية والإقليمية والمحلية وكل له
شأن وفاعلية في هذا الإستحقاق المجمد منذ ستة أشهر . وينكشف المشهد السياسي عن جمع
قيادي سياسي لبناني لا يخجل من محو دوره لمصلحة اللحاق بالدور الخارجي في الإستحقاق
الرئاسي علما أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق ... فمعظم الأطراف الخارجية تستدعى
الى التدخل بالشان اللبناني الداخلي بفعل السعي الداخلي المحلي ومن قبل قوى لبنانية
لاهثة للإستعانة بقوى خارجية على شركائها في الوطن . وفي الخارج جهات متشوقة الى العبث
بالوضع اللبناني واستغلاله وفق رغباتهم المتنوعة ويأتي في مقدمة هذا الخارج الكيان
الصهيوني الغاصب وأسياده الأميريكيين والغربيين إن استطاعوا الى ذلك سبيلا .
أيمن حجازي