التعايش المرحلي والتسوية الجزئية
العدد 1680 /10-9-2025
أيمن حجازي
التعايش
المرحلي هو العنوان الذي يمكن أن يتم اللجوء اليه في توصيف الحالة الآنية التي
تحكم علاقات الرئاسات اللبنانية الثلاث ، وهي علاقات تختصر الصراع السياسي الحالي
بين ثنائي أمل - حزب الله وحلفائهما القلائل وباقي أفرقاء الساحة اللبنانية . وقد
ظهرت صورة هذا التعايش في جلسة الحكومة التي عقدت في السابع من أيلول الجاري . حيث
عبر كل طرف من الأطراف عن مواقف غير كاسرة لمواقف الطرف الآخر . و برز في هذا
الخضم إعتدال وتطرف في كلا المعسكرين : حيث رئيس الجمهورية جوزاف عون وقائد الجيش
اللبناني رودولف هيكل قد مثلا جناح الإعتدال في معسكر السلطة وتولى رئيس الحكومة
نواف سلام وقوى اليمين المسيحي القيام بتجسيد بنية الجناح المتطرف .
في
المقابل احتل الرئيس نبيه بري وحركة أمل مواقع الجناح المعتدل في المعسكر الآخر ،
واحتل حزب الله والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الجناح المتطرف في هذا
المعسكر . ومع التسليم الكامل بعدم دقة هذه التصنيفات والمصطلحات ، إلا أن اللجوء
اليها تفرضه عملية التوصيفات التقريبية ليس إلا . ففي ظل غياب أي بادرة إيجابية من
الجانب الصهيوني حول تنفيذ ما يتوجب عليه من امور شتى فرضها اتفاق وقف العمليات
العدائية بتاريخ السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي ، وفي ظل تماسك مواقف
الأطراف الفاعلة في الساحة الشيعية اللبنانية . حسم الرئيس جوزاف عون أمره وأبلغ
رئيس الحكومة نواف سلام أنه لن يحضر جلسة للحكومة يغيب عنها وزراء الطائفة الشيعية
. وتبين أن هذا الموقف التفصيلي الذي ترجم بتوسيع جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء
المنعقد في السابع من الشهر الجاري ، كان بمثابة كلمة السر التي كشفت عن تسوية
جزئية تؤكد عدم الذهاب الى صدام سياسي وطائفي لا تحمد عقباه . مع استحضار كل
" عوامل " الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتعايش بين المذاهب والأديان
والرسالات ، التي يتشبث بأهدابها الجمع القيادي والسياسي اللبناني المبعثر في كافة المواقع الرسمية وغير الرسمية . وقد
كان لمواقف نائب رئيس المجلس الإسلامي
الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب دورا فاعلا وكبيرا في تثبيت العباءة الشيعية على
مواقف ثنائي أمل - حزب الله .
لقد
ولدت هذه التسوية الجزئية في محاضن محلية لبنانية وتم فرضها على الجهات الخارجية
المتعجلة في عملية ما يطلق عليه (نزع سلاح حزب الله) . وهذا ما يؤكد على قدرة
القرار الوطني اللبناني على الفعل ، إن مال قادة البلاد الى إتخاذ مواقف متحررة من
هيمنة الخارج . وهكذا اضمحل تأثير الموفدين الأميريكين باراك وأورتاغوس والموفد
السعودي يزيد بن فرحان ، ليحل محلهم تأثير الأسماء اللبنانية المباركة المعروفة
الحسب والنسب . ويبدو أن رجالات القوى
الأمنية والعسكرية الوطنية قد لعبت دورها الفاعل في حلحلة الأمور والدفع بإتجاه
تليين المواقف . حيث أثبت هؤلاء على إختلاف مواقعهم الأمنية والعسكرية انهم قادرون
على إدراك المخاطر الكبرى التي تنطوي عليها معضلة الإطاحة بالمقاومة اللبنانية
وسلاحها ومنجزاتها الكبرى على إمتداد أكثر من أربعين سنة من المقاومة . والتي تهدد
جديا اركان السلم الأهلي وتفتح الباب واسعا أمام الإحتراب المرغوب فيه إسرائيليا وإستعماريا بلا أدنى شك
. ويحكى في هذا الصدد عن وعي وطني كامن في صفوف المؤسسات الأمنية والعسكرية ،
تجاوز وفاق مستوى الوعي الوطني للقادة السياسيين الذين يرشح قسم كبير منهم أنانية
ويفيض انغلاقا وطائفية وتعصبا بغيضا .
وبات
الأمل معقودا على تمديد مفاعيل هذه التسوية الجزئية والتعايش المرحلي وتحويلهما
الى تسوية ثابتة دائمة يتمسك فيها شعب لبنان وطوائفه المتفرقة بفضيلة المقاومة
المحمودة . حتى يتم إحباط الرغبات الخبيثة للمشروع الصهيوني الزاحف الذي يجدد
مذابحه الكبرى في غزة الأبية وفلسطين الجريحة . وهو مشروع يلقى ويجابه بمشورع راسخ
للمقاومة الشريفة الصادقة المضحيةالتي تعلي رايات الأمة وشعوب المنطقة وتحفظ
حقوقها وتكسر أطماع المستكبرين الهادفين الى إذلال شعبنا اللبناني وشعبنا
الفلسطيني وكل شعوب العالم .
أيمن حجازي