الاحتفال بذكرى ١٣ نيسان في جبيل
العدد 1608 /3-4-2024
أيمن حجازي
الحادث الأمني الذي وقع في جبيل كان خطيرا، لأنه
استهدف مسؤولا في حزب القوات اللبنانية في المنطقة ، ولأن حادثا بات مرشحا للتوظيف
السياسي في قضية سياسية وأمنية كبرى متعلقة بالجبهة اللبنانية المتضامنة مع قطاع
غزة. فلم يكد الحادث أن يقع حتى عم الشارع المسيحي والشارع "القواتي" في
غضب تم توجيهه نحو حزب الله المنشغل في معركة كبرى واقعة في جنوب لبنان وشمال
فلسطين. هذا الغضب انطلق من اتهام أوتوماتيكي للحزب بارتكاب عملية الخطف، ما دفع
بالمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى الدعوة للتريث والهدوء لأن المشكلة
باتت على شفير الاشتباك الشيعي- المسيحي. وقد دفع الجيش اللبناني إلى تنفيذ انتشار
هادئ بين منطقتي الشياح وعين الرمانة، وهما المنطقتان اللتان ترمزان إلى الحرب
الأهلية اللبنانية التي نشبت في عام ١٩٧٥.
صحيح أن المعلومات التالية التي أوضحت مسار
الحادثة أزالت التهمة التي كانت موجهة إلى حزب الله، ولكن المشكلة استمرت على صعيد
تواجد النازحين السوريين في لبنان. والذي تعرض قسم منهم إلى ردود فعل عنصرية في
بعض المناطق المسيحية وخصوصا في جبيل. ومما يؤسف له أن الحادثة أدت إلى مقتل
باسكال سليمان الذي أفادت المعلومات أن جثته قد اختطفت إلى داخل الأراضي السورية.
وهذا عامل يلقي ظلالا كثيفة من الشك حول الحادثة والأهداف السياسية التوتيريه
المطلوب أن تؤمنها تلك الحادثة في هذه المرحلة التي يعيشها البلد بشغوره الرئاسي
الشهير وبجبهته الجنوبية المفتوحة التي يعبث بها عدد من الموفدين الدوليين الذين
يدمنون زيارة العاصمة اللبنانية طارحي أفكار وطروحات متعلقة بالوضع الجنوبي
الملتهب.
لقد سارعت القيادات العسكرية والأمنية اللبنانية
إلى معالجة حادثة جبيل وكذلك فعل الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي
الذين ظهر على موقفهما الخوف والخشية من هذه الحادثة على السلم الأهلي وعلى الوضع
العام في لبنان. في الوقت الذي برز فيه الإصرار السياسي على استكمال المعركة ضد
الصهاينة في جنوب لبنان نصرة لغزة. وذلك تحت عناوين شتى، منها الالتزام بالقرار
الدولي ١٧٠١، والخوف على لبنان من الدمار الذي يمكن أن يصيبه من جراء توسع المعارك
الحاصلة في جنوب لبنان وتحولها إلى حرب شاملة واسعة على نسق حرب صيف ٢٠٠٦ أو أكثر.
وتحركت الماكينات الإعلامية والسياسية والنيابية والبلدية مجندة نفسها في هذا
السبيل. وقد وصل الأمر بالنائب القواتي زياد حواط إلى القول "إن لم تتحرك
الدولة فإننا مستعدون لإقفال مناطقنا"... وهذا ما يمكن أن يفسر دوافع الحملات
التي كانت تلجأ إليها وسائل إعلامية مقربة من حزب القوات اللبنانية طوال الأشهر
القليلة الماضية والتي اتخذت طابع الترويج للفدرالية واللامركزية الأمنية والمالية
والقضائية. ما دفع إلى القول إن هذه البيئة مهيئة ومعبئة ومستفزة وجاهزة لاستغلال
أي حادث أمني كحادث جبيل كي تعيد إطلاق النار على "بوسطة عين الرمانة".
هذه "البوسطة" التي تسكن عقول وقلوب العديد من القوى السياسية اللبنانية
التي وصلت إلى ذروة أمجادها من خلال الحرب الأهلية اللبنانية وفقدت الكثير من
نفوذها إثر توقف تلك الحرب واندثارها.
لا أعلم إن كان الذين يقفون خلف حادثة جبيل قد
درسوا التواريخ، وأرادوا أن يجعلوا من تلك الحادثة شكلا من أشكال الاحتفال بالذكرى
السنوية التاسعة والأربعين للثالث عشر من نيسان ١٩٧٥. لعل البعض يشفي غليله ويكرس
١٣ نيسان عيدا وطنيا مخلدا يثأر فيه من ٢٢ تشرين الثاني و٢٥ أيار التاريخين
والمناسبتين اللتين لم تلب طموحات هذا البعض الموشى بكل زخارف التقسيم والتفتيت
لهذا الوطن الصغير... (جغرافيا).
أيمن حجازي